لأكثر من قرن، كان الرحم يعتبر إلى حد كبير «بيئة معقمة من الجراثيم» ومع ذلك، حتى اليوم، مع وجود التكنولوجيا الطبية المتقدمة في متناول اليد، لا يمكن للباحثين التوصل إلى إجماع حول ما إذا كانت المشيمة والسائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين خالين من الجراثيم حقًا أم لا.
الجدل وراء ولادة الأطفال بدون «ميكروبيوم»
يزعم بعض العلماء أنهم اكتشفوا علامات على الحياة الميكروبية في عينات الجنين في السنوات الأخيرة. وقد دفعهم ذلك إلى القول بأن الميكروبيوم البشري – وهو مجتمع البكتيريا والفطريات والعتائق التي تعيش في داخلنا – موجود قبل الولادة وليس أثناء أو بعد الولادة.
بينما يختلف آخرون، وفقًا لمجموعة من الباحثين من أمريكا الشمالية وأوروبا والمملكة المتحدة، تستند هذه الدراسات إلى عينات ملوثة حدثت بعد أو أثناء الولادة، بحسب موقع مجلة نيتشر.
يجادل المؤلفون بأن الميكروبات التي تم اكتشافها في النتائج السابقة تم إدخالها عن غير قصد إلى مكان الولادة إما بعد الولادة المهبلية «الطبيعية» أو أثناء إجراء سريري لولادة جنين «الولادة القيصرية» أو عينات من الحمض النووي الخاص به.
ونتيجة ذلك؛ فإن وجود «الميكروبيوم الجيني» أمر مثيل للجدل حير العلماء، حيث يفترض أن الجنين يكتمل في بيئة معقمة خالية من الميكروبيوم، لكن كيف يمكن أن يتواجد مع حديثي الولادة.
في حين أنه من الممكن أن تنتقل الميكروبات من الأم إلى الجنين عن طريق المشيمة، فإن هذه الكائنات الدقيقة غير مرغوب فيها عادة ما يتم الاعتناء بهم بسرعة من قبل الجهاز المناعي المحلي في السائل الأمنيوسي، لكن عندما تستمر الميكروبات في استعمار الرحم، فإنها تميل إلى التسبب في مشاكل صحية ونمائية خطيرة للجنين.
الدراسة الجديدة تثير الجدل حول الرحم المعقم من جديد
تقول المؤلف الرئيسي كاثرين كينيدي، عالمة الأحياء الدقيقة بجامعة ماكماستر في كندا، وزملاؤها: «مثل هذا الخلاف حول جانب أساسي من جوانب البيولوجيا البشرية يشكل تحديًا للتقدم العلمي»، مشيرة إلى أن الفشل في هذه المشكلة يهدد بتحويل الموارد المحدودة إلى أبحاث لا تؤدي إلى أي تقدم في صحة الأم والجنين، ومحاولات مضللة لتعديل ميكروبيوم جنيني غير موجود علاجيًا.
تحاول الورقة الجديدة توضيح بعض هذا الالتباس من خلال مراجعة نتائج وأساليب البحث السابق، مع التركيز على أربعة تقارير حديثة نُشرت منذ عام 2020.
الأبحاث الحديثة حول ولادة الأطفال بميكروبيوم
من خلال الفحص المباشر لعلم الأحياء المجهرية للجنين البشري، كشفت الدراسات المختارة عن علامات خفية للتواجد الميكروبي المحتمل منخفضة الكثافة وقابلة للحياة في الجنين، بينما اكتشف الاثنان الآخران فقط المنتجات الثانوية الأيضية للميكروبات، أو آثار البكتيريا الموجودة غالبًا على الجلد.
يعتبر جمع عينات الجنين دون إدخال الميكروبات عملاً صعبًا، وفي بعض هذه الدراسات السابقة، كما تقول كينيدي وزملاؤها، مشيرة إلى أن المعطيات أو الضوابط المهمة مفقودة لكونها حرجة للكثير من النساء.
ولهذا، جمعت ورقتان من الأوراق المذكورة أعلاه عينات بعد ولادة الجنين عن طريق المهبل، بينما جمعت عينات أخرى بعد الولادة بعملية قيصرية. يمكن لكل من هذه المسارات من الجسم أن تُدخل الميكروبات إلى الجنين من الأم. ومع ذلك، لهذا دراسة الولادة القيصرية فقط – التي كانت كينيدي مؤلفًا رئيسيًا لها – هي المسؤولة عن هذا التعرض.
في الدراستين اللتين ادعتا أن الميكروبات استعمرت الجنين في الرحم، تم العثور أيضًا على كل جنس من الميكروبات التي تم اكتشافها بمستويات مختلفة في معظم عينات التحكم من الأبحاث الأخرى.
تحذر الورقة الجديدة من أن «إغفال الضوابط المهبلية للأم؛ لتحديد الجراثيم للأجنة المولودة عن طريق المهبل – الطبيعية – هو قيد كبير يلقي بظلال من الشك على استنتاج المؤلفين بأن الكائنات الحية الدقيقة تنشأ من الرحم».
علاوة على ذلك، أشار باحثون آخرون غير مشاركين في التحليل إلى أن الاستعمار الميكروبي والميكروبيوم المتسق يختلفان اختلافًا جوهريًا.
بحسب نيتشر، تقول عالمة الأحياء الدقيقة سوزان ديفكوتا من كتبت جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس في تعليق حديث: «تشير الأعمال المتاحة حتى الآن إلى أنه من الممكن بالتأكيد أن تكون الميكروبات في بيئة الرحم، لكنني أعتقد في أحسن الأحوال أن هذه الميكروبات تأتي من مكان آخر في الجسم وليست أصلية في بيئة الرحم».
وأشارت إلى أنه: «من الصعب بالنسبة لي التوفيق بين هذه الدراسات البشرية التي تقترح الميكروبيوم المشيمي مع حقيقة وجود حيوانات خالية من الجراثيم».
علاوة على ذلك، حتى لو كان عدد قليل من الميكروبات بالفعل يستعمر الجنين قبل الولادة، فكيف يمنع الجهاز المناعي النامي تلك الملوثات من الاستفادة من شكل الحياة الجديد؟ وكيف تعرف الخلايا المناعية الميكروبات التي يجب أن تدخلها وأيها تطرد في المقام الأول؟
تستنتج كيندي وزملائها في الدراسة: «من منظور إكلينيكي، يبدو أن معظم التفسيرات المقدمة في المنشورات الحديثة فيما يتعلق بوجود الكائنات الحية الدقيقة في الأجنة يصعب التوفيق بينها من الناحية البيولوجية، حيث إنه من المعقول للغاية أن تؤدي إلى إلحاق الضرر بالجنين أو موته».
وأضافت أنه من خلال زوايا متعددة من الاعتبارات التفسيرية، تشير الأدلة إلى كونها تدعم فرضية الرحم المعقم أي أنه بيئة خالية من الجراثيم والميكروبات التي يمكن أن تضر بالأجنة.
نقلا عن المصرى اليوم .