إن ميلنا الطبيعي كبشر لمساعدة الآخرين المحتاجين أمر عميق للغاية في جيناتنا، وهو الكرم السائد عبر الثقافات البشرية، وله فوائد نفسية وصحية لنا جميعًا كأفراد.
وقد وجد الباحثون الآن أيضا أدلة على أن الكرم يساعد الناس في المجتمعات على العيش لفترة أطول بغض النظر عن مستويات ثرواتهم. فمن خلال اختبارات في 34 دولة مختلفة، وجد الباحثون أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتشاركون الموارد بين الأجيال، انخفض معدل الوفيات في المجتمع.
وقد نشرت نتائج الدراسة بدورية “بروسيدنغس أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)” وتناولها بيان صحفي منشور على موقع “معهد ماكس بلانك للدراسات السكانية Max Planck Institute for Demographic Research” الألماني في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري.
رسميا أو مجتمعيا
لا يهم ما إذا كان هذا التشارك والكرم قد حدث من خلال نظام رسمي، مثل استحقاقات التقاعد والرعاية الصحية من دافعي الضرائب، أو بشكل خاص داخل العائلات.
وقال عالم السكان فاني كلوج من معهد ماكس بلانك “تشير تحليلاتنا إلى أن إعادة التوزيع تؤثر على معدل الوفيات في بلد ما، بغض النظر عن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي”.
وقد قام كل من توبياس فوغت من جامعة غرونينغن University of Groningen وكلوج ورونالد لي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي University of California, Berkeley بحساب المدفوعات التي يتلقاها ويعطيها كل شخص فيما يتعلق بدخله مدى الحياة، باستخدام بيانات من مشروع حسابات التحويل الوطنية.
ووجدوا أن الناس في فرنسا واليابان، وهي المجتمعات ذات معدلات الوفيات المنخفضة، يتقاسمون حوالي 69% من دخلهم مدى الحياة، أما دول مثل الصين وتركيا، اللتين تتقاسمان أقل من 50%، فقد كانت معرضة لضعف الخطر.
قوة الشبكات الاجتماعية
وهي ليست الدراسة الأولى التي تشير إلى تحويل الموارد (بين الأجيال المختلفة من الناس) حتى من خلال أنظمة الدعم الرسمية، كما يفيد المانحون أيضا، فضلا عن توفير دعم واضح للمحتاجين.
حيث ذكرت دراسة عام 2013 ونشرت في “جورنال أوف برسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي Journal of Personality and Social Psychology” أن “البشر في جميع أنحاء العالم يجنون فوائد عاطفية من استخدام مواردهم المالية لمساعدة الآخرين فيما يعرف بـ (الإنفاق الاجتماعي الإيجابي)”.
وقد ثبت أن تقديم الدعم والرعاية لهما تأثير وقائي ضد الوفيات لمقدم الرعاية. وأن الكرم مرتبط بزيادة السعادة وقد يعزز الترابط الاجتماعي.
وكتب الفريق في هذه الدراسة الجديدة أن “كثافة التحويل قد تعكس قوة الشبكات الاجتماعية ورأس المال الاجتماعي، والتي ثبت أنها تعزز الصحة”.
في دراستهم الجديدة، تكيف فوغت وزملاؤه مع العوامل الأخرى المعروف أنها تؤثر على متوسط العمر المتوقع، مثل الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنهم حذروا من وجود بعض العوامل التي لا يمكنهم تفسيرها، مثل الاستقرار السياسي.
ويوضحون أن “إضفاء الديمقراطية أو التمكين أو عمل المجتمع المدني قد يؤثر على تقاسم الكرم والوفيات.. ومن ثم، لا يمكننا أن نستنتج أي علاقة سببية من هذا الارتباط”.
ليس بالمال وحده
ويعلق عالم الاقتصاد جون هيليويل من جامعة كولومبيا البريطانية University of British Colombia، والذي لم يشارك في الدراسة، لموقع “سي إن إن CNN” قائلا “جنبا إلى جنب مع الأبحاث السابقة، تشير هذه الورقة إلى أن التحمل الجماعي لدى البشر يتعلق ببقاء المجتمعات الأكثر تعاونا، بدلا من بقاء الأفراد الأكثر لياقة”.
وفي ظل الفوضى التي تسببت فيها أحداث عام 2020 على حياتنا، أصبحت مثل هذه النتائج أكثر أهمية من أي وقت مضى. وذلك لأنها تقدم دليلا على طريق إلى المستقبل يمكن أن يجعل مجتمعاتنا أقوى، على الرغم من الخسائر الهائلة في الموارد التي يواجهها الكثير منا الآن.
ويوضح الباحثون بالطبع أن نقل الموارد عبر الأجيال لا يعني المال فقط. ويمكن أن يشمل أيضا المنازل، ومشاركة الفوائد الأخرى مثل المعرفة بين الأجيال، أو حتى وقت التطوع.
فكما أخبر فوغت شبكة “سي إن إن” أن بعض أكثر الطرق قيمة لتحويل الثروة إلى أحبائك تتضمن أشياء بسيطة مثل الطبخ والعناية بهم والقراءة لهم.
نقلاً عن الجزيرة نت