ما الدنيا إلا قِصةٌ طويلة ، ولكل شيء في هذه الدنيا قصة، كل الخلائق لهم قصة، حتى الحجر المرمي في الطريق له قصة، والنظرة الأولى من الأم إلى وليدها لها قصة، وحمل الأب المكلوم لنعش ابنه له قصة، الشيء الوحيد في الكون الذي نتوه في دروب قصته هو حب الإنسان لله، فحب الإنسان لله هو حالة شعورية تطغى عليه وتتملكه، فإذا اجتاحت قلبَه أمواجُه، فاض منه الحبُ.
وقتئذ سيحاول التعبير عن تباريح أشواقه، ولكنه سيعجز عن ذلك، حتى ولو كان أبلغ البلغاء وأشعر الشعراء، فما كانت اللغات إلا محدودة تُعبِّر عن محدود، فإذ ما استخدمها المحدود ليُعبِّر عن حبه للامحدود عجز عن البيان. أما الإنسان فله قصة، وللشيطان أيضا قصة، ولا تظن أن قصة الإنسان تبدأ منذ مولده وتنتهي عند مماته، فقصة الإنسان تبدأ من عالم الغيب ثم تمتد إلى الدنيا، ولا تنتهي أبدا في غيب الآخرة، قصة الإنسان هي القصة الفريدة التي ليست لها نهاية بل تمتد إلى اللامنتهى، نحن بلا نهاية، بل نذوب في سرمدية الآخرة، وآهٍ من جهالة الإنسان “إن الإنسان لربه لكنود”، ويا للهوى الذي يعشش في نفس الإنسان فيستوطن فيها، ومع ذلك فإن مِنَّا من يصرع هواه، ومِنَّا من يصرعه هواه، “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” وكما يقولون: الهوى إله يُعبد من دون الله، وداخل كل إنسان صنم يُسمى الهوى، ذلك الهوى يتحرك داخل نفس الإنسان ــ الذي أضله الله على علم ــ مثل الحية الرقطاء حركة ناعمة هادئة بطيئة، الخطوة تلو الأخرى، حتى يستحوذ على نفسه ويهيمن عليها، فيفتي الناسَ من هواه، ويُضل الناسَ وهو يعلم، ولكنه يبرر لنفسه أنه إنما يفعل ذلك ليُقَرِّب الناس إلى الله، ألا ويلٌ لهذا التقريب إلى الله، وويلٌلهم حين يفعلون، أما كانت عبادة الناس للأصنام إلا لتقربهم إلى الله زلفى؟! أما كانت النوايا الطيبة أحد أسلحة إبليس التي يخدع بها أصحاب العلم الديني؟!.