وتقود سلطنة عُمان، بدعمٍ أمريكي ومباركةٍ سعودية، جهود الوساطة بين طرفي الصراع، ولاسيما بعد إخفاق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، في إقناع الطرفين بتمديد الهدنة. وفي هذا الإطار، تكررت الزيارات مؤخراً بين مسقط وصنعاء لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، كما تقول تقارير الأخبار. وذهب المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، بعيداً في تفاؤله حين صرّح، خلال مؤتمر دولي عن اليمن عُقد في واشنطن في 9 يناير، بأنّ العام 2023 يقدّم فرصة لإنهاء الصراع في البلاد بشكل نهائي.
ولا يقتصر دور السعودية على دعم الوساطة العمانية المنسقة أمريكياً، وإنما تنخرط في محادثاتٍ مباشرة مع الحوثيين ليس فقط لتمديد وقف إطلاق النار، وإنما أيضاً لوضع مسار للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن. وقد كشفت «أسوشييتد برس» عن هذه المحادثات في البداية. ثم جاءت التصريحات غير المسبوقة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي في 25 من الشهر الجاري، لتؤكد ذلك.
ولعل ذلك يثير تساؤلاً يتعلق بأوجه الاختلاف بين اتفاق الهدنة هذه المرة عن المرتين السابقتين. فإذا كانت الأخيرتين لم تفضيا إلى أي اختراق في التسوية السياسية للصراع في اليمن، بل أدتا إلى تثبيت الأمر الواقع بل وتكريس وضع تقسيم البلاد باحتفاظ كل طرف بما تحت يده من أراضٍ وموارد، فكيف يختلف اتفاق الهدنة هذه المرة؟ وفقاً للتسريبات الإعلامية، يتضمن الاتفاق الجديد ضمانات لتنفيذ ما جاء فيه، وآلية واضحة للمواعيد الزمنية حتى لا يتنصل الحوثيون من التزاماتهم، كما حصل سابقاً، بالإضافة إلى نصوص مرتبطة بمراقبين دوليين ومحليين لمراقبة وقف إطلاق النار وأخرى تتعلق بالدخول في محادثات سياسية مباشرة بين الطرفين للتوصل إلى تسويةٍ سياسية لصراع الثماني العجاف، سوف تحذو حذو «اتفاق الرياض» لتقاسم السلطة، في نوفمبر 2019، بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي هذا الخصوص، قد يتم الاتفاق على تشكيل حكومة مناصفة ومحاصصة بين الشماليين والجنوبيين والحوثيين، على ثلاث مستويات، هي المناصفة الجهوية بين الشماليين والجنوبيين، والمحاصصة الإقليمية بين أقاليم البلاد، والمحاصصة الحزبية بين التنظيمات السياسية الرئيسة على أساس وزنها السياسي. وهذا يعني عودة الحكومة اليمنية «الجديدة» لممارسة صلاحياتها من صنعاء. كما أنّ تسوية سياسية على أساس تقاسم السلطة ستؤدي إلى خفوت الدعوات الانفصالية المتنامية في الجنوب.
وما يعزز فرص التسوية السياسية، بالإضافة إلى الدعم السعودي والأمريكي، أن استمرار الوضع بشكله الحالي يقود اليمن إلى مجاعة محققة، وفقاً للتقارير الأممية. وقد أدى بالفعل إلى تدمير جزءٍ كبير من التراث اليمني، وتحول اليمن إلى أكبر حقل ألغام في العالم، وأكثر البلاد فقراً، وأكبر دولة فاشلة/هشة في العالم، بحسب مؤشر الدول الهشة لعام 2022.
ومع ذلك، تبدو نسبة تحقق هذا السيناريو المتفائل محدودة. فالصراع في اليمن مركب، بسبب أطرافه العديدة والمتباينة، ومصالحهم المتعارضة. فهناك تنظيمات سياسية ومسلحة عديدة، تتصارع فيما بينها. وثمة حالة مضطربة من التوازن بين هذه القوى جميعاً، وتبدل تحالفاتها في الداخل والخارج وفقاً لمصالحها المتعارضة. كما أن التطبيع السياسي بينها صعبٌ للغاية؛ بسبب تنافرها الأيديولوجي والسياسي، وأن قضايا الصراع بينها تتعلق بالأرض والثروة والقوة، والتدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وتصاعد المشاعر القومية في الجنوب. كما أن السلوك السابق للحوثيين تجاه الهدنة هو عدم الالتزام ببنودها، بل واستغلالها في التعبئة العسكرية وتوسيع نطاق نفوذها. دون الحديث عن أنّ عملية المحاصصات السياسية والجهوية لم تثبت جدواها في العديد من الحالات الإقليمية، سواء في العراق أو لبنان.
والخلاصة أنه برغم قرب تجديد الهدنة، تبدو احتمالية أن يقود الاتفاق إلى تسوية سياسية في اليمن محدودة، ويظل سيناريو تقسيم اليمن إلى شطرين، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى طويل الأمد بينهما، هو السيناريو الذي يغطي معظم السماء اليمانية. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية .