العلم بحوره كبيرة جدا وأعماقه شديدة ومتباينة، وليس كل الحاصلين على درجة الدكتوراة علماء، وليس كل اساتذة الجامعة المتخصصين خبراء أو علماء، وليس ضرورى ان نجد المميزين بأبحاثهم علماء متخصصين، وأيضا ليسوا بالضرورة أن يكونوا خبراء، كلام يلخبط ولكنها الحقيقة. أنا مثلا لا أعتبر نفسي عالما، ولكن أرى نفسي مهندسا مهنيا تطبيقيا.
وهناك فرق شاسع مابين الأكاديمي والخبير، وقد يكونا حاصلين على نفس الشهادات وفى نفس التخصص، ولكن الخبرة العملية والمهنية والانتاج والعلمى ودرجة تميزه هو الفارق الهام والفيصل.
وفى بلادنا والبلاد المماثلة هناك ندرة فى الخبراء الحقيقين، الذين يملكون العلم والخبرة التطبيقية، فأعدادهم محدودة، ومعظمهم اكتسبوا مهاراتهم من الخارج.
وهناك وفرة فى أدعياء الخبرة، وللأسف الاستعانة بهم سبب معظم مصائبنا ومصائب الدول النامية.
واعلامنا ملئ بأدعياء الخبرة والعلم والفتوى، وأجهزتنا أيضا بعضها مزدحم بالعديد منهم ومن أمثالهم.
والعدد القليل المتاح فى بلادنا من الخبراء والعلماء فى التخصصات المختلفة، اما منزوين لاحترامهم لأنفسهم، أو معزولين لأنهم لا يبيعوا ضمائرهم مهما كانت المغريات.
وللأسف لايتم استخدام خبرائنا وعلمائنا الحقيقيين، لتربية كوادر شابة لتوارث هذه الخبرات كما كان يحدث فى مصر فى الخمسينات والستينات. وكمثال وزارة الرى، كانت الخبرة تتوارث من جيل لجيل.وكانت مثلا كلية الهندسة تستعين بكبار مهندسي الوزارة فى التدريس ونقل الخبرات للطلبة وخاصة فى المشاريع الهندسية “مشروع الرى”، وأنا بنفسي تعاملت مع عدد منهم، مثل المرحوم المهندس والوزير “عصام راضي”، وكنت وقتها معيدا صغيرا وهو كان المهندس المسئول عن ترعة السلام بسيناء.
وعند تعييني وزيرا للرى، لاحظت قصورا شديدا فى قدرات الوزارة فى النمذجة الهيدرولوجية بصفة عامة. واستعنت فى ٢٠٠٩ بأساتذة هندسة القاهرة المتخصصين الدكاترة علاء الظواهرى واحمد امام وخالد حسين وهشام بخيت، وكان لهم دور كبير فى تطوير المنظومة الهندسية فى قطاع النيل بالوزارة. وحتى الأن يتم الاستعانة بعلاء الظواهرى وهشام بخيت، ومالهما من خبرات مكثفة بنهر النيل ومشاكله الفنية والقانونية والسياسية. ولكن للأسف لم يتم استغلالهما لتربية من يحل محلهما بعد ذلك سواءا فى وزارة الرى او حتى فى الجامعة وبعد عدة سنوات قليلة، سنعانى كما عانينا مسبقا من نقص الكوادر والخبرات.
الاخلاص وحب الوطن والنظر والتخطيط لبكرة، من أهم متطلبات تعيين القيادات والمسئولين وأصحاب القرار، وعلى الله حسن السبيل.