اعتقد أجدادنا فى أولياء الله الصالحين، مثلما يعتقد كل مؤمن فى قوله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، لكنّ ثمة فارقاً خطيراً بين النظر إلى الولاية كمستوى راق من مستويات تقوى الله تزيد قرب العبد من خالقه، والولاية كحالة عجائبية تدفع بصاحبها إلى إتيان الخوارق، أو كسر القوانين الطبيعية.أجدادنا كانوا أكثر اعتقاداً فى الولاية بالمفهوم العجائبى، كما يحكى إدوارد لين فى كتابه: «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم»، وقد قص على قارئه حكاية ذلك التاجر الذى عاش يتمنى أن ينعم بفكرة الولاية، فذهب إلى أحد الأشخاص الذين يصنفون فى مرتبة «الولى الصالح» وطلب منه أن يدله على قطب المعالى (سيدنا الخضر) الذى يمنح من يختار من عباد الله مرتبة الولاية.استجاب الرجل الصالح للتاجر وطلب منه أن يتوضأ ويصلى لله مخلصاً ثم يذهب إلى جامع المؤيد، ويمسك بأول رجل يخرج من الجامع. فعل التاجر فتوضأ وصلى ووقف على باب المسجد، لمح شيخاً رث الثياب، أشيب الشعر، تتهادى خصلاته فوق كتفيه، فتعلق فى رقبته وأخذ يقبل رأسه ويديه، ويترجاه أن يمنحه عهد الولاية، فوافق الشيخ الأشيب فى النهاية وجعله مسئولاً عن حى «الدرب الأحمر».عاد الرجل إلى الحى، فأمسك بعضاً وأخذ يتجول بها بين الدكاكين والبائعين. ذهب عند رجل يبيع الفاصوليا فى جرة، فاقترب منه وضرب الجرة بعصاه فانفلقت، وانسكبت البضاعة على الأرض، اغتاظ البائع المسكين، فأخذ يضرب الولى بيديه ويركله برجليه، حتى تعب، انصرف الولى وعاد البائع إلى الجرة فإذا به يلمح ثعباناً يسعى من داخل حطام الجرة، ارتعب وأدرك أن الرجل الذى ضربه واتهمه بالجنون ليس أكثر من ولى أنقذه من الثعبان الذى كان سيتسبب سمه فى تسميم مَن يشترى منه بضاعته.أخذ البائع يسأل الناس عن الولى الذى اختفى فى مكان غامض، ليظهر فى اليوم التالى، يسير فى السوق كما تعود، يجد شخصاً يحمل فوق رأسه صينية طعام كبيرة، فيمد عصاه ويضعها بين ساقيه، فيختل توازن حامل الصينية وتسقط منه على الأرض، فيستشيط غضباً، ويوجعه ضرباً، ينهاه الناس عن ذلك ويقولون له إنه يضرب ولياً من أولياء الله الصالحين، يهرب الولى ويستدير الرجل نحو الطعام المندلق على الأرض فيجد كلباً يأكل منه، ثم يسقط ميتاً بشكل مفاجئ، فيفطن إلى أن الولى علم أن الأكل مسموم، وأنقذ من كان سيأكله من بنى آدم.هذه القصة تقدم لنا نموذجاً على الطريقة التى يفكر بها أصحاب التصورات العجائبية لأولياء الله الصالحين. وهى تنتهى -كما سمعها- «إدوارد لين» بإحساس الولى بحالة ضجر كبيرة مما هو فيه، فيأخذ فى الدعاء بأن يحرره الله من الولاية، ليعود بعدها تاجراً عادياً.ويلفت «لين» النظر إلى أن مثل هذه القصص لم تكن تبرأ فى أحيان من ألاعيب، ولا يستبعد أن يكون التاجر الولى قد اتفق مع من يضع الثعبان فى جرة الفاصوليا، أو يسمم الطعام، وانطلت الحيلة على الناس.. ولما تعب من اللعبة عاد أدراجه إلى دكان تجارته.. والله أعلم.
نقلا عن الوطن .