تحول لون وجهها من اللون الأبيض الأوربي الجميل إلي اللون الأسمر وخاصة في المناطق المعرضة للشمس,هي من محافظات الدلتا المعروفة بالبياض مع الجمال,ولكنها فوجئت بهذا التحول في لون وجهها,حزنت لذهاب جمالها حزناً شديداً,سألتها: هل تسيرين في الشمس كثيراً,قالت : سنوات وأنا أسير في الشمس ولن أستطيع التوقف عن ذلك,قلت لها : إذاً لن تتحسني فهذا المرض يأتي من الشمس وحرارة البوتاجاز والحزن معاً,قالت:كلهم معي باستمرار .• قالت :حكايتي أشبه بالمآسي المركبة فقد ولد لي ابن معوق منذ سنوات وكانت إعاقته معقدة نوعاً ما فأصابع يده اليسري كانت ملتصقة في يد لا تتحرك وساق تتحرك بصعوبة وولد ابني عصبياً جداً ولديه فرط حركة وعدم تركيز.• بدأت مشوار الجراحات المعقدة ولكن الأمر ازداد تعقيداً عندما كبر قليلاً وأخذ الأطفال يسخرون من شكل أصابعه ويده فضلاً عن تصرفاته,وإذا به يضيق ذرعاً بسخريتهم وإهانتهم,وكانت مشاعره فياضة ونفسه حساسة لأي إهانة فإذا به يلقي بنفسه من الدور الثالث فيسقط علي جمجمته التي تهشم جانبها الأيمن ويظهر المخ والأغشية المحيطة به,مما استلزم وقف جراحات التجميل والجراحات الميكروسكوبية التي كانت تجري لإصلاح يده اليسري والاهتمام بجراحات المخ وكسور أخرى مختلفة,استغرقت سنوات طويلة,كان فيها العناء كله,والبهدلة كلها,والجري من مستشفي لآخر,ومن قسم لآخر,ومن جراحة لأخرى,وتذللات وتوسلات لطوب الأرض.• عمليات كثيرة ومعقدة أجريناها علي نفقة الدولة أو التأمين وهذا أغاثنا وخفف عنا كثيراً,وكل جراحة يعقبها علاج طبيعي,وأنا أحمله إلي المستشفي تارة أو إلي الطبيب أخرى أو إلي العلاج الطبيعي ثالثة,أحمله وأنا أبكي بدموع حارة طوال الليل والنهار,وكل هذا المشوار الطبي الطويل جعله متعلقاً بي تعلقاً لا حدود له.• 7 جراحات في يده ورجليه والجمجمة,كلها عمليات كبرى ومحفوفة بالخطر,حتى أتم اليوم عشر سنوات,باقي جراحتين كبريين أحدهما لتركيب شبكة علي الجمجمة في الناحية اليمني وإمكانياتها لا توجد في مستشفي التأمين الذي يتبعه وتكاليفها كبيرة قلت لها : أفضل مكان لها مستشفي أبو الريش أعظم مستشفي في الشرق الأوسط في تخصصات الأطفال وفيها عباقرة طب وجراحات الأطفال في مصر كلها.• جاءني الابن,إعاقة يده واضحة,يعرج في مشيته,ناحية الجمجمة اليمني متورمة ليس فيها عظام ولكن المخ وأغشيته علي الجلد مباشرة,يتحدث بسرعة,يلح في طلباته,يصر عليها إصراراً عجيباً.ط• قلت في نفسي : هذه الأم تستحق أعلي جوائز الأرض والسماء لأنني لم أصبر نصف ساعة عليه ولكنها صبرت عليه 10 سنوات كاملة,مع ذلك لمست فيه رقة وحنان وعاطفة قد لا توجد عند الأصحاء.• يقول لأمه دوماً: لو مت يا ماما هل ستزعلي عليَّ,فترد الأم عليه: لن استطيع العيش من غيرك,فإذا به يرد عليها قائلاً : لو أنت يا أمي مت”توفيت”لن أستطيع العيش ساعة من غيرك وسأفتح التربة ” أي القبر” وأنام معك.• ارتباط عجيب وتناغم غريب تراه بين الطفل المعوق وأمه,لغة العيون,الإشارات,الكلمات,النظرات,دائماً ما ألاحظ ذلك حتى بين الأم الصماء وأولادها,أو بين الأم والطفل الداون,أو بين الأم وطفل التوحد.• رأيت قصصاً عجيبة من التناغم بين الطفل المعوق وبين الأم عادة,وأحياناً بينه وبين الأب,فهناك أم قروية أعرفها رفضت العناية بابنها المعوق”داون”وفيه إعاقة خطيرة أنه ولد بغير شرج وأجريت له جراحة لفتح”كولومستومي”فتحة البراز في البطن وتولي والده الفلاح البسيط حمله ويعتني به طوال عشر سنوات كاملة,وقد ذهب به إلي مستشفيات لا عد لها ولا حصر كلهم يخشى إجراء جراحات أخرى لأن لديه مشاكل في القلب ويخاف أطباء التخدير من وفاته.• هذا التناغم العجيب هو سر إلهي يبثه الله في هؤلاء الناس ليتفاهموا ويتناغموا,خلاصة حياتي أن كل معوق يرسل الله له من يرعاه ويكفله ويتناغم معه ما دام حياً,وأحسن شيء صنعته الدولة المصرية حديثاً هو معاش المعوق وقد ستر هذه الشريحة حقاً وشجع الآخرين علي رعايتهم.• سلام علي الأمهات جميعاً,وخاصة أمهات ذوى الهمم.
المصدر .. الوطن .