عندما يبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حديثه أمام آلاف المشاركين في القمة العالمية للحكومات، وملايين المتابعين عبر وسائل الإعلام، بشكر وتقدير صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فلأن العلاقة بين الإمارات ومصر ضاربة في الجذور قيادة وشعباً.
وعندما تمتلك الدول استراتيجية تدرك بها حجم موقعها وأهميتها، والدور المنوط بها في منطقتها والعالم، وتتصرف وفق رؤى ثابتة، ومبادئ راسخة، فإن نتائج الأفعال والتحركات السياسية، تأتي مبهرة، ولعل ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأمس يترجم هذه الحقيقة، لقد أشار إلى أهمية وحيوية الدعم الإماراتي الذي قدمه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، إلى مصر خلال لحظة فارقة في تاريخها، عندما كانت تمر بفترة صعبة ومركبة، تمتلئ بالتحديات، مما جعلها تعبر بسلام إلى بر الأمان.
تدرك الإمارات أهمية مصر لمحيطها العربي بأكمله، فالقاهرة في قلب هذا المحيط، وكل ما يحدث فيها سلباً وإيجاباً، يؤثر في جميع بلدان المنطقة، وتدرك حساسية اللحظة التي عاشتها مصر، لقد كانت الدولة المصرية نفسها معرضة للخطر، وهو ما أشار إليه السيسي خلال القمة. والأهم أن مصدر الخطر معروف، فكانت لحظة تلفظ فيها مصر جماعة إرهابية، وتتخلص فيها أيضاً من تبعات اجتماعية وسياسية واقتصادية لوقائع ما عُرف ب«الربيع العربي»، كانت لحظة محملة بسيناريوهات عدة؛ وحيث كان يبدو للمتابع من الخارج أنه لا أمل لمصر لكي تقف مرة أخرى على قدميها، من هنا جاء الموقف الإماراتي الذي لم يدخر وسعاً في دعم مصر بكل السبل الممكنة.
قال صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد في عام 2014، في لحظة المخاض تلك، «لو كانت هناك لقمة خبز حاف لاقتسمتها الإمارات مع مصر»، وهي مقولة تعبر عن رأي الاستراتيجي الذي يعرف كيف يتصرف، وما واجباته في تلك اللحظة، ومقولة العاشق لمصر، عشق علمنا إياه المغفور له القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
أدركت الإمارات خطورة تلك اللحظة الفارقة، وأن اهتزاز مصر يعني تحولات اجتماعية وتاريخية لا يعلم مداها إلا الله، وتعي جيداً أن اختطاف مصر من قبل جماعة لا تعترف بالأوطان، سيكون كارثياً على جميع البلدان العربية، وعودة بالحضارة نفسها إلى الخلف، وإهداراً لعقود طويلة من التنوير والتحديث، وعلى حجم هذا الإدراك، جاء الدعم الذي لم يتوقف منذ 2011، كان الهدف أن تبقى مصر صامدة، وتستعيد عافيتها ودورها التاريخي المعروف.
في كلمة السيسي أيضاً إشارة لافتة، فالشيخ محمد بن زايد لم يكتفِ بدعم الإمارات لمصر، لكنه قاد دعم الأشقاء العرب لها، ما يؤكد أن مصر أولوية وطنية وقومية في الإمارات، وتشتركان في مصير واحد؛ بل إن المتابع للساحة خلال أكثر من عقد، يعرف جيداً أن الإمارات ب «أكملها» تحولت إلى ما يمكن تسميته ب«خط أمان متقدم» لمصر ومصالحها.
لم يتوقف ذلك على المساندة السياسية واللوجستية؛ بل عبر المشاريع التنموية والاستثمارية التي تبنتها الحكومة الإماراتية أيضاً.
عاشت مصر عشرية كان قلبها ينبض وتنتابه مشاعر من التوتر والقلق بخصوص الراهن والمستقبل، وعقل الإمارات يفكر ويخطط وأياديها المملوءة بالخير تهرع إلى القلب، لكي تمده بكل ما من شأنه أن يعيد إليه الهدوء والطمأنينة. عشرية على الرغم من صعوباتها، فإنها أثبتت تناغم القلب والعقل معاً، وقدمت درساً سياسياً في التعاون والتكامل في المواقف والرؤى، وبرهنت على نجاح استراتيجية إماراتية يقودها بعزيمة لا تعرف اللين، وببصيرة تستحق التأمل والتفكير القائد الشيخ محمد بن زايد.
نقلا عن الخليج .