ردا على مقال”المفسدون في الأرض: “داعش وأخواتها” للكاتب والمفكر العربى علي محمد الشرفاء، قال مختار نوح، المفكر السياسي والقيادى المنشق عن جماعة الإخوان، أن صعود التنظيمات المسلحة في سوريا مثل جبهة النصرة التي تحولت إلى هيئة تحرير الشام للسلطة لن يستمر طويلا، مؤكدا أن احمد الشرع أو أبو محمد الجولانى كما يطلق عليه وضع ملامح نهايته من خلال إعلان التعايش مع إسرائيل وإلغاء التجنيد الإجبارى، موضحا أن الجولاني غير خط الدولة السورية بشكل كامل، كما أن تنظيم داعش والتنظيمات الأخرى المشابهة له لم تختفى، وانما كانت متواجدة بالدول التى بها عدم استقرار سياسي وامنى، لذلك يسعى الجولانى الى تجميع هؤلاء التنظيمات فى سوريا وهم بين ٥٠ الى ١٠٠ الف ومنحهم الجنسية السورية كمظلة للتنظيمات الارهابية.
واضاف مختار نوح القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، أن مستقبل تنظيمات الاسلام السياسي سينتهى بمجرد انتهاء الدور الذى يرسمه لهم الغرب الأوروبى، والتجارب السابقة خير شاهد، لافتا إلى أن هذه الجماعات فى افغانستان لعبت ضد الروس بدعم امريكى وغربى، وبمجرد انتهاء دورهم انقلب عليهم الأمريكان وتخلصوا من اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، مشيرا إلى أن أمريكا طلبت من إسرائيل فتح قنوات اتصال مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا .
وأوضح المفكر السياسي، أنه لا شك أن خريطة الشرق الأوسط ستتغير بعد أحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ التى قامت بها حركة حماس، ولعل ما حدث فى سوريا هو جزء من تبعات ما حدث فى تل أبيب قبل أكثر من عام ، مشيرا إلى أن المجتمع الدولى ليس لديه مشكلة فى استخدام التنظيمات الإرهابية فى معركة التغيير أو رسم الشرق الأوسط الجديد، ولا يعنيهم استقرار هذا الشرق إلا وفق مصالحهم الخاصة، ولذلك لابد أن يكون الرهان على الوقوف أمام هذه التحديات ومواجهتها قبل أن تنفجر الأوضاع فى وجه الجميع، مؤكدا أن هناك مشاريع فى المنطقة والإقليم تسعى لتمكين التنظيمات المسلحة حكم الدول وهذا هو خطورة التغيير حاليا لأنه نابع من إرادة دولية، البطل فيها إسرائيل بسبب ما مس أمنها قبل أكثر من عام وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية فى الحفاظ على هذا الأمن، وهناك دول ترسم هذا التغيير من خلال دعم التنظيمات الإسلاموية، وهنا يرسم الشرق الأوسط بما يحقق أمن إسرائيل لتكون فيه التنظيمات الإرهابية على رأس هرم السلطة فى عدد من البلدان العربية، وسوريا ستكون واحدة من هذه البلدان، وليبيا واليمن ودول أخرى.
وأكد نوح أن السوريين هم من يحددون مستقبلهم، لأن سوريا للسوريين لا لغيرهم، فهذا وطنهم، وهم الذين تحملوا كل ما جرى فيه، وبالتالى هم وحدهم من يرسمون مستقبله لا غيرهم، ولكن من حق الباحثين عن عالم يسوده السلام أن يقرأ هذا المستقبل وأن يشارك فى صناعته، فلا أحد يعيش معزولا لأنهم هم من دفعوا فاتورة التغيير إلا أن الفاتورة الأكبر سوف يدفعونها لو أنهم انفردوا بالقرار ولم يسمعوا لغيرهم ،موضحا أن من يديرون المشهد السورى الحالى يرفضون المستقبل أو يرفضون أى ملامح لمستقبل لا يعتقدونه، فدائرة الاختلاف تمثل لهم جريمة، والحوار ليس فى قوانينهم، وبالتالى لا يعطون الحق إلا لأفكارهم ، وأغلبها لا علاقة لها بالحاضر، ولا مستقبل لها.
واتفق خالد فؤاد رئيس حزب الشعب الديمقراطي، مع رؤية المفكر علي الشرفاء، موضحا أن ما حدث فى سوريا سيدعم عودة الإسلام السياسى وسيطرته، وسيكون له تأثير واضح فى دعم تيارات الإرهاب المتأسلم وتحفيزها على العمل حتى فى الساحات التى انسحبت منها، وهذا الأمر ينكشف بوضوح من خلال تصريحات الجولانى بأن الانتخابات فى سوريا تحتاج إلى أربع سنوات، وهو ما يثبت رغبة هذه التيارات فى الهيمنة على الحكم فى سوريا، مؤكدا أن تجربة حكم محلي محمية بالسلاح بدعم من بعض الدول للاستيلاء على المدن السورية يمثل خطرا كبيرا على مستقبل الشعب السوري.
وأشار خالد فؤاد رئيس حزب الشعب الديمقراطي إلى أن تنظيم داعش تم إضعافه خلال الفترة الماضية، ولكن تم إعادة إحياءه في بعض الدول العربية بأوامر إسرائيلية وضخ الدماء فى عروقه، لعودة جولات الإرهاب من جديد في المنطقة العربية، نظرا لأن له دورا كبيرا للغاية فى مشروع تقسيم الشرق الأوسط الجديد، حيث بعد أن يؤدي دوره المطلوب يختفى، ولكنه موجود وتحت أمر القيادة الأمريكية فى أى لحظة.
وأضاف رئيس حزب الشعب الديمقراطي أن الجماعات الإرهابية لعبت أدوارا عديدة لخدمة الغرب الذى استخدمها كأداة لتنفيذ مخططه، ومنها تحطيم نظام صدام حسين فى العراق، وفى ليبيا تحطيم نظام القذافى، ودورها فى نظام الأسد، لذلك الأوضاع فى سوريا لن تستقر وهى فى سبيلها إلى التقسيم، وبالفعل تقسمت حاليا جزء أمريكى وإسرائيلي، وجزء إخواني أعيد لإحياءه بعدما هُزم فى مصر.
وأشار فؤاد إلى أن تنظيم داعش سيطر في عام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وأعلن قيام ما يسميه الخلافة وأثار رعبا في المنطقة والعالم، وفي عام 2017، أعلن العراق دحر التنظيم بمساندة من تحالف دولي بقيادة واشنطن،ثم اندحر التنظيم المتطرف في سوريا في عام 2019 أمام المقاتلين الأكراد بقيادة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، مضيفا أن أكثر من 10 الاف عنصر من داعش في السجون وهؤلاء بمثابة جيش متكامل جاهز وعلاوة على ذلك، هناك ما يقرب من 60 ألف من عائلات وأقارب عناصر التنظيم يتواجدون في مخيمات النازحين في سوريا كمخيم الهول وغيره، موضحا أن الغرب لم يفقد علاقته بهذه التنظيمات على أى مستوى، متسائلا هل وقعت حادثة إرهابية فى بريطانيا؟ بالطبع لا، لأن بريطانيا احتضنت هذه الجماعات، وبعدها سلمت نفوذها لأمريكا، وأصبحت أمريكا هى التى تسيطر على هذه الجماعات والتنظيمات المسلحة، ولديها أجهزة استخبارات ضخمة مسؤولة عن هذا الملف .
ويرى فؤاد أن تنظيم داعش الإرهابي يسعى إلى استغلال العدوان الإسرائيلى على غزة لتحقيق حلم الخلافة العابرة للحدود فى سوريا والعراق ووسط آسيا وجنوبها وإفريقيا من شرقها إلى غربها، حيث تتنامى أنشطة التنظيم على أكثر من جبهة، ويستغل تركيز الدعم الأمريكى والأوروبى للجيش الإسرائيلى لشن هجمات إرهابية تربك العالم، وتعيد هيبة التنظيم بعد انحساره أعواما.
ولفت رئيس حزب الشعب الديمقراطي الى أن داعش يركز فى نشاطه الإرهابى، خاصة فى سوريا، على المناطق المهمشة أمنيا، ما يمثل بيئة خصبة للتنظيم للسيطرة، مثل مناطق البادية السورية التى تشمل محافظات دير الزور، والرقة، وحلب، وحماة، وحمص، وريف دمشق، والسويداء، كما أن استمرار الدعم القوى الذى تقدمه واشنطن لإسرائيل فى حربها يؤدى إلى تقليل جهودها لمكافحة الإرهاب، واستمرار الفجوات الأمنية.
من جانبه قال ماهر فرغلى الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن الأوضاع في سوريا بعد بشار الأسد، وانسحاب الجيش، سيئة جدا وتشبه إلى حد كبير أوضاع 2011 في مصر ، مؤكدا أن هناك أولويات تتمثل في الحفاظ على كيان الدولة السورية، والحفاظ على الشعب السورى وعودة المهجرين، متخوفا من أن تحتمي سوريا بالجماعات الإرهابية، أو أي دولة إقليمية، موضحا، أننا أمام هجمة منظمة ودقيقة جدا لتقسيم سوريا، مضيفا أن ما يحدث الآن داخل سوريا تم الاستعدادات له منذ عام ونصف لدخول حلب، من جماعات إرهابية في إدلب، لافتا إلى أن الجماعات في سوريا مكونة من تنظيم القاعدة مثل جماعة حراس الدين ونور الدين زنكي، ومجموعات أخرى من تنظيمات انشقت عن القاعدة، منها هيئة تحرير الشام، وهناك المكون السلفى، مثل جماعات أحرار الشام والجماعات الموازية لها، مضيفا أن هناك 126 فصيل مسلح داخل سوريا بـ100 ألف مقاتل، مثل جيش السنة وفيلق الشام وفيلق الرحمن وصقور الشام ودرع الثورة والاتحاد الإسلامي، وهذه تابعة للإخوان، ففيلق الشام بمفرده يضم أكثر من 30 مجموعة، وعلى رأسهم تنظيم داعش ، وهيئة تحرير الشام تضم 26 فصيل.
وأكد الباحث في شؤون الحركات الإرهابية أن الأوضاع في سوريا أصبحت مربكة ومخيفة، بالرغم من فرحة الشعب السوري بتحقيق جزء من حريته، إلا أن المشهد السوري يشهد تطورات معقدة، حيث يبرز شخص يسعى إلى رئاسة البلاد مستندا إلى قوة الفصائل والسلاح، مما يهدد بظهور ديكتاتورية جديدة بطابع إسلاموي وديني، مضيفا أن هذا النوع من الديكتاتورية قد يكون أخطر وأصعب على الشعب السوري والمنطقة بأكملها، مما يفرض تحديات كبرى على مستقبل سوريا واستقرارها، مؤكدا أن الهدف الواضح فيما يحدث بسوريا هو تقسيم سوري، والهدف الرئيسي إعادة رسم خرائط المنطقة بربيع دموي، موضحا أن الربيع العربي الأول كان في 2011 ومصر أفشلته في إعادة رسم خرائط المنطقة، مشيرا إلى أن إسرائيل فشلت منذ بداية عملية طوفان الأقصى لزعزعة استقرار بعض دول المنطقة فدخلت على مرحلة أخرى وهي تحريك الجماعات المسلحة وعودة داعش بقوة في المنطقة العربية، موضحا أن هذه الجماعات مدربة والهدف إعادة تقسيم المنطقة والمستهدف في سوريا تقسيمها لـ3 دويلات كردية وسنية ميليشيات ودولة للنظام.
ويرى فرغلى أن هناك رضا أمريكي على ما يحدث في سوريا وكل الإعلام الأمريكي يتحدث عن أن ما يحدث في سوريا إنها معارضة مسلحة، بينما روسيا منشغلة في حرب أوكرانيا، ويقال إن الهدف مما يحدث هو مقايضة ترك سوريا مقابل ترك الحرب الأوكرانية، مشيرا إلى أن مشروع تفكيك الدول العربية يسير وما يجري هو مجرد مرحلة حتى تتحول سوريا لدولة تشبه طالبان أو دولة إخوانية جديدة في سوريا، محذرا من احتمال أن تستغل الجماعات الإرهابية مثل داعش والنصرة هذه اللحظة لإعادة التموضع، مما يهدد استقرار دول الجوار مثل العراق ولبنان.
وأضاف الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية أن الجولاني يشبه أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، حيث مر البغدادي على جماعة الإخوان ثم القاعدة حتى أسس تنظيم داعش، بينما الجولاني انتمى للإخون ثم تنظيم القاعدة ثم بايع الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم داعش قبل أن يؤسس هيئة تحرير الشام، موضحا أن كلا من البغدادي والجولاني ينتميان لما يسمى بالسلفية الجهادية سواء الجهادية العالمية أو المحلية، معتبرا أن هناك مجموعة كبيرة من القيادات والتنظيمات والفصائل المتنوعة حول الجولاني، والمشكلة أنهم ليست لديهم وحدة فكرية أو تنظيمية، والاتحاد بينهم كان مرحليا، مبينا أن الخطير هو عدم تراجع هيئة تحرير الشام عن أفعالها القديمة أو إنكارها لها بشكل رسمي.
وحذر فرغلي من قيام دولة إخوانية في سوريا حيث قام الجولاني بالجانب الخاص بحمل السلاح ثم يقوم الإخوان بالجانب الآخر المتعلق بتداول السلطة وبناء حكومة جديدة يشكلونها، ومن ورائهم فصائل جهادية تحمي حكمهم على غرار الحرس الثوري الإيراني، لافتا إلى إنسجام الولايات المتحدة الأمريكية مع إدارة الجولاني، حيث أن أميركا ستعيد تقييم وجودها العسكري شرق الفرات وستعتمد بشكل أكبر على الأدوات الدبلوماسية لدعم سوريا الجديدة ، مشيرا إلى أن الدور العربي يجب أن يركز على توحيد المعارضة السورية وتقديم خارطة طريق للحل السياسي، مضيفا أن أي انقسام داخلي قد يفسح المجال أمام القوى الأجنبية لتعزيز نفوذها، موضحا أن تقديم دعم مالي عربي لإعادة بناء البنية التحتية سيكون الخطوة الأهم الان لتخفيف معاناة الشعب السوري.
وحذر فرغلي من خطط تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ دولية أو طائفية، مشددا على أن الدول العربية يجب أن تضغط للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.