غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فقال إنه اطّلع على تقارير رضا الموظفين في 40 جهة حكومية اتحادية، فلفت انتباهه أن نسبة الرضا في بعضها تصل إلى 93 ٪، وأن خمس جهات منها تقل النسبة فيها عن 60 ٪.
علّق صاحب السمو على ذلك فقال، إن هذه النسبة الأخيرة غير مقبولة، لأن رضا الموظفين هو مفتاح رضا المتعاملين، وأضاف أنه منح مديري هذه الجهات الخمس مهلة ستة أشهر لتحسين بيئة العمل، لأن رأس مال أي حكومة هُم موظفوها.
والحقيقة أن هذه تغريدة بمليون جنيه، تماماً كما نقول في مصر في العادة، إذا شئنا أن نعطي الشيء تقييمه الذي يستحقه بين الأشياء.
وهي كذلك لأنها تتعرض لأصول علم الإدارة، ولأن ثروات البلاد أساسها الإدارة، ولأن الإدارة هي التي تعظم من هذه الثروات أو تقلل من شأنها، وهي التي تجعل بلداً غنياً بين الدول، رغم محدودية ثرواته الطبيعية، وتجعل بلداً فقيراً في المقابل رغم غناه في هذه الثروات.
ولا أزال أذكر أن الدكتور إبراهيم شحاتة، نائب رئيس البنك الدولي الأسبق، كان رحمه الله قد وضع كتاباً قبل رحيله، وكان الكتاب قد صدر في القاهرة على ثلاثة أجزاء، ثم صدر في مجلد واحد لاحقاً، وكان عنوانه كالتالي: «وصيتي لبلادي».
كان صاحب الكتاب قد مر بتجارب كثيرة بحكم عمله في المؤسسات الدولية ذات الطابع الاقتصادي، وكان قد رأى تجارب الدول المختلفة عن قرب، وكان قد رأى ما يميز تجربة هنا عن تجربة هناك، وما يجعل تجربة من بين التجارب ناجحة، ثم ما يجعل سواها غير ناجحة.
وقد وضع كتابه ليكون هو خلاصة ما رآه من تجارب على مستوى الدول، وليكون بمثابة روشتة الإصلاح لمن يشاء من الحكومات.
وقد خرج الكتاب إلى القارئ في أربعة أقسام، وكان القسم الأول منه عن الإصلاح الإداري على وجه التحديد، لأنه في تقدير صاحب الكتاب هو الإصلاح الأهم، ولأن الإدارة إذا انصلح حالها في أي أرض انصلحت بقية الأمور بالضرورة.
وقد بحث الدكتور شحاتة عن سطور يقدم بها لكتابه، فلم يجد أفضل من آيتين في القرآن الكريم تتحدثان عن الإصلاح على مستوى الإنسان، أما الأولى فتقول: «ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وأما الثانية فتقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
وما جاء في سطور تغريدة الشيخ محمد بن راشد، هو في الحقيقة مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، لأنهما تتكلمان عن التغيير في جوهر الإنسان، ولأن هذا التغيير إذا وقع فإنه يبدًل من حال المجتمع بكامله، وينقله من خانة إلى خانة، ومن مربع إلى مربع، ويجعله في المقدمة بين سائر المجتمعات.
والتغريدة كما نرى في سطورها، لا تبحث عن رضا الموظفين باعتباره غايةً في حد ذاته، ولكنها تراه مقدمةً إلى رضا المتعاملين مع الحكومة في كل ميدان، وتراه طريقاً يؤدي إلى ما ورائه، وتتطلع إليه بوصفه سبيلاً إلى رضا آخر أبعد منه وربما أهم.
ليس هذا فقط، ولكنها ترى في الموظفين رأسمال الحكومة، وتراهم رأسمالها الأغلى، إذا قارنت الحكومة بينهم كرأس مال، وبين أي رأس مال آخر تملكه في يدها. ولذلك، فإن وصف التغريدة بأنها تساوي مليون جنيه لا ينطوي على شيء من المبالغة.
نقلا عن الخليج .