وما يعرفه الجزائريون أن هذه المدينة شهدت مولد برويال عام ١٩٥٩، وأنه غادرها إلى فرنسا في سن صغيرة، وأنه لا يكاد يذكر أيامه فيها، وأنه قد أخذه الحنين والشوق إليها، وأنه لما أعلن رغبته في الزيارة جاءه ما يشبه الضوء الأخضر بأنه يمكن أن يزور مدينته القديمة.
إلى هنا لا مشكلة في شىء.. لكن المشكلة أن الفنان الفرنسى يعتنق اليهودية، وأن كثيرين يعتقدون أنه تجاوز اليهودية، باعتبارها ديانة سماوية، إلى الصهيونية باعتبارها عقيدة سياسية لا ترى شيئا في الاستيلاء على أرض الغير دون وجه حق.
وقد انقسم الجزائريون حول الرجل وحول زيارته، فكان منهم فريق لم يقف ضد الزيارة، ولم يجد فيها ما يبرر كل هذا الصخب الدائر.. وعلى الجانب الآخر وقف فريق يرفض الزيارة تمامًا، ويقف ضدها على طول الخط، بل ويرى فيها أبعادا سياسية لا يراها سواه.
إن عبدالرزاق مقرى، رئيس حركة مجتمع السلم ذات المرجعية الإسلامية المعروفة، كان في المقدمة من الفريق الثانى، وكان ولايزال يدعو إلى عدم السماح للفنان الفرنسى بزيارة مسقط رأسه، وكان ولايزال يرى أن باتريك يناصر إسرائيل، ولا يرى شيئا فيما ترتكبه في حق فلسطين والفلسطينيين من اعتداءات يومية، وقمع، وتشريد، ومطاردة لأصحاب الأرض.
ومع عبدالرزاق مقرى عدد من الجزائريين يتوجسون من الزيارة، ويقولون إنها ربما تكون مقدمة لتطبيع تقوم به الحكومة الجزائرية مع تل أبيب.. ورغم أن التوجه إلى مثل هذا التطبيع لا دليل عليه، إلا أن عدم وجود دليل لم يمنع جزائريين من الشك في الموضوع.. أما باتريك نفسه، فهناك تصريح له في ٢٠١٤ يقول فيه إنه لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بالدولة العبرية.
والقاعدة التي أرساها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في زمانه تقول إن: البينة على مَنْ ادعى واليمين على من أنكر.
ومعناها في موضوعنا أنه لو ثبت بالدليل أن باتريك يؤيد إسرائيل فيما ترتكبه، فمن حق الفريق المعارض للزيارة أن يرفضها إلى أبعد مدى.. وإذا لم يقدم هذا الفريق ما يدلل به على ما يقول، فإن الفنان الفرنسى يظل صاحب ديانة سماوية لا علاقة لها في حقيقتها بما تمارسه تل أبيب، ولا يتحمل هو بالتالى المسؤولية عن ممارسات إسرائيل ولا عن عبثها الذي تواصله.
نقلا عن المصرى اليوم .