ثمة رسائل سلبية يتم بثها منذ دهر على أسماع الناس.. كرسائل الحزن والفقر والخوف والتواكل..
البسملة هى ما نبدأ به كل أمر من أمور حياتنا اليومية، فكيف لم نلاحظ أن بها اسمين من أسماء الله يفيضان بالعذوبة والود والاطمئنان “الرحمن الرحيم”؟! أقول هذا لأننى كنت أستمع إلى الخطب الدينية فى المساجد ووسائل الإعلام منذ صغرى وحتى اليوم على وسائل التواصل فأجد إصراراً على التركيز على معانى سلبية جداً كالحزن والندم والقلق والفقر والزهد والتقشف وبغض الدنيا والرعب من عذاب القبر وعذاب جهنم. لماذا لا نجد نوعاً من التوازن بين تلك الحالة من النذير والوعيد وبين حالة أرقى من التفاؤل والإيجابية والبشارة الدنيوية والدعوة للغنى والثراء والنجاح فى الحياة؟!
هل مطلوب من الناس أن تنطوى وتحيا حياة مليئة بالخوف والبكاء وحب الفقر؟ مثل هذا الخطاب أدى فى النهاية لما نراه من التكاسل والتراخى والاكتفاء بأقل عمل وأقل دخل واختفاء الطموحات العظيمة والنجاحات المبهرة، تركنا كل هذا للغرب يبدع ويتفوق واكتفينا نحن بالانبهار بإنجازات نرى أنفسنا أقل من أن نصنعها بأنفسنا!
إننى مسلم وأحب للناس جميعاً الخير والسعادة كما أحبهما لنفسي، وأتمنى أن ينتبه الناس لتلك الرسالة الخبيثة المدسوسة فى كلام يبدو مدهوناً بصبغة دينية فنستقبله بلا تفكير ولا وعى. كيف نستقبل الدعوة للحزن بالموافقة والقبول؟ بينما ينهانا القرآن الكريم عن الحزن نهياً صريحاً فيقول: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) هذا نهى مباشر واضح ضد الذلة والضعة والحزن. فالمشاعر السلبية لن تكون سبيلك السليم إلى التدين. بل الابتسامة والإقبال على الدنيا بصدر منشرح مقبل على العمل والإنجاز. هكذا قل فى دعائك: (رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى).
حتى الدعاء عليك بانتقاء الأدعية التى تناسبك وتتوافق مع أمنياتك. لا تؤمِّن على دعاء لا تفهمه، اقرأ وافهم مدلول كل دعاء وتأكد أنه صحيح المعنى وأنه يحقق لك ما تتمناه حقاً. فالشرع ينهانا أن ندعو على أنفسنا ونحن لا ندرى.
إذا كانت دعوى التدين هى الفقر والحزن والعنف فما هى دعوى الشيطان؟.. اقرأوا القرآن لتفهموا الخلل الحادث فى الأفهام.. أليس القرآن يؤكد: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا)؟! ألم تقرأ فى القرآن: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)؟! تلك المشاعر السلبية هى مصائد الشيطان. أما راحة القلوب فمن الرحمن، واقرأ إن شئت قوله تعالى: (الله لطيف بعباده).. (ورحمتى وسعت كل شيء).. (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).. (سيجعل الله بعد عسر يسرا).
أقول إن الدين يسر ورحمة وعمل وسعى وتفاؤل وحب، اختر من كتب الدين ورجال الدين مَن يحدثك بإيجابية ويبشرك بالخيرات ويبث الطمأنينة والهدوء فى قلبك لا من يخوفك ويرعبك ويحزنك ويعدك بالفقر ويرغبك فى التقشف، وبدلاً من أن تقرأ كتاباً عنوانه “أهوال القيامة” اقرأ كتاباً عنوانه “عش سعيداً”. وإذا وجدت صورة على الفيسبوك بها كلام فى الدين وصورة رجل حزين فقير فلا تنشرها ولا تساهم فى بث الحزن والغم والفقر على الناس. فمثل تلك الرسائل الخفية التى تدس السم فى العسل ضارة على النفوس وتجعل الناس تربط بين التدين وبين الحزن والفقر كأنهما متلازمان. التدين ليس حالة من الانكسار والتقشف والقلق والرعب والندم أبداً. بل إننى أفهم التدين على أنه رحمة ونور وعمل وعلم وتفاؤل ومحبة وقوة وثروة وجرأة وإقدام.
فى قبضة المعرفة
شغفى الأول فى حياتى القراءة..
فى صغرى كنت أسافر كثيراً وقد أنسى الطعام لكنى لا أنسى الكتاب، ومن فضائل فترة جائحة كورونا أنها أتاحت لى وقتاً للاطلاع والتبحر فى قراءة كل شيء؛ لدرجة أننى تفرغت لمدة عامين للقراءة فى معظم فروع العلم.
أذهلنى أن العصر الحالى بات مرتعاً لمفاهيم خاطئة يتم نشرها وبثها بصورة هائلة، وكأن هناك عقلًا عدائيًا مستترًا يقف وراء كل تلك الرسائل السلبية والمفاهيم المغلوطة والشائعات المقلقة وحالة الترهيب والإرعاب والتكدير.
لهذا كنت أركز فى كلماتى على وسائل التواصل على مفهوم الأمن الفكرى.. وعلى ارتباط هذا المفهوم بالقراءة والاطلاع على ما هو صحيح وسليم وموثوق لا ما هو كاذب ومخادع وملتف. إن ما حدث فى منطقتنا من صراعات وحروب وقلاقل كلها نتاج خلل فكرى عميق، بل حتى موجات الإلحاد وتحريف الأديان سببها ضلال فكرى وسوء فهم واختلال الآراء والأحكام واختلاط المعانى والقيم. نحن لم نعد نقرأ إلا لمماً، بينما فى الغرب تجد كتاباً فى كل مكان فى السجون والمستشفيات حتى فى غرف العناية المركزة!
راقب وسائل التواصل تكتشف صوراً ورسائل وحكايات ليس لها أصل تصاغ تحت السلم ووراء الكواليس تحمل شائعات وأكاذيب وأباطيل لا تهدف إلا لبث القلق والفزع والنكد وكلها كذب فى كذب، ورغم هذا يتخطفها العامة ويشاركونها على صفحاتهم بلا وعى، فتنشأ منها قناعات تترسخ فى أذهان الناس وتؤثر في مشاعرهم وتنعكس على أحوالهم سلبياً.
إذا سألنى أحد عن الكتب سأقول اقرأ فيما لم تقرأه من قبل. لماذا؟ لأن عقلك اعتاد أن يوجهك نحو قراءات استنام لها واستراح فى ظلها، وهذا نوع من الركود، بينما توسعة العقل وانفتاحه على المعارف يصل بك إلى حالة من النضج والفهم والإدراك. إن من أكثر الكتب التى غيرت نظرتى فى الحياة لكثير من المفاهيم القديمة كانت كتباً فى الفلك وعلوم الآثار وآيات الكون.
وجاء الأمر بالصدفة، عندما طلب منى أحد رؤساء التحرير الجلوس لباحث عاش فى ألمانيا طويلاً ودرس الفلك ووصل لنتائج مبهرة مربكة، فقرأت ما كتبه ولم أفهمه فى البداية ثم قرأته عدة مرات وجلست معه أنا وطائفة من المتخصصين ساعات طويلة، ووجدت نفسي أفكر بطريقة مختلفة حتى فى نظرتى للحياة وللآخرين. ولم أكن أتخيل أن مثل هذه المعارف قد تغير مفهومى عن الحياة بهذه الصورة وفى هذه السن.
إن المعرفة لا حد لها. والعمر أقل من أن نضيعه فى توافه الأمور. بل علينا بالتأمل والقراءة باستمرار إذا أردنا أن يكون لنا مكان تحت الشمس ومكانة بين الأمم.
نقلا عن بوابة الأهرام .