سقطت ذراعك فالتقطها
وسقطت قربك فالتقطنى
تذكرت جيداً تلك الكلمات التى كتبها الشاعر الراحل محمود درويش وأنا أشاهد الفرحة التى انتابت فرق الإنقاذ فى سوريا وهى تُخرج عائلة بأكملها من تحت ركام الأنقاض، محتفلين ببقائهم أحياء، وكأنها الذراع التى سقطت، وكأنهم هم من التقطوها.
لقد تابعنا، خلال الأيام القليلة الماضية، عمليات الإنقاذ المتواصلة على مدار الساعة لضحايا الزلزال المدمر الذى ضرب تركيا وسوريا، ما خلف آلاف الضحايا والمصابين، من الذين بقوا تحت الأنقاض، وربما كان الأكثر تأثيراً هو مشهد الأسرة السورية، خلاف الكثير من المشاهد الأخرى التى تؤكد قدرة الإنسان على الحياة ورغبته فى ذلك.
نعم، سقط آلاف الضحايا، لكن سقطت معهم الحدود السياسية، وسقطت الخلافات بين الدول، وتلاشت الفوارق والأزمات. هب الناس فى العالم كله لمد يد العون إلى الدولتين المنكوبتين لإعانتهما على مصابهما الأليم. سارع الكثيرون- حتى من هم على النقيض- فى إرسال المعونات، وظهرت المؤازرة والتعزية والدعم على وسائل التواصل الاجتماعى.
سقط الضحايا ونجا الملايين، نجت معهم فكرة الإصرار على الحياة، واستكمالها، استطاع الإنسان أن يخرج أفضل ما فيه، أن يبتكر ويفكر لإعانة المنكوبين، حتى مع صعوبة الوصول إلى أحياء بمرور الوقت.
كانت الظروف أكثر قوة، زلزال مدمر أتى بليلٍ، وقت أن كان الغالبية فى البيوت فى حالة سكون، انهارت معه الكثير من المبانى ليرتفع عدد الضحايا. طقس سيئ للغاية يعوق عمليات الإنقاذ، وتزيد معه إمكانية تعرض من هم تحت الأنقاض إلى الخطر بسبب البرودة التى لا يستطيع الإنسان أن يتحملها تحت الأنقاض. ظروف عالمية ليست مواتية.
فالعالم خارج لتوه من أزمة الكوفيد، وغارق أكثر فى أزمات خلفتها الحرب الروسية- الأوكرانية، ووضع اقتصادى صعب ضرب الجميع بلا استثناء، ومع ذلك يصر الإنسان أن يعيش، وأن ينقذ غيره من موت محقق.
لن تنسى الأسرة التى أنقذوها هذا المشهد طوال حياتها، لن ينسوا الفرحة على وجوه من قابلوهم أول ما خرجوا من تحت الأنقاض. بالتأكيد جميع من شاهد المشهد لن ينساه طوال حياته، فهو أحد المشاهد الملهمة التى تؤكد ضرورة الإصرار على الحياة، أيا كانت الظروف، وأيا كانت الصعاب.
هناك مقولة منسوبة للملاكم الأسطورى، محمد على كلاى، يقول فيها: الرجل هو من يعرف أنه مغلوب، ويستطيع أن يغوص فى أعماق روحه ويستخرج منها قوة إضافية ليفوز فى المباراة.
وأعتقد أن العالم، بهذه المشاهد، ربما عليه أن يستمع إلى كلمات كلاى، وأن يغوص فى أعماق روحه، ليستخرج قوته الإضافية التى تجعله يفوز فى مباراة الحياة.