ما يزال أصل مرض ألزهايمر الذي يصيب 30 مليون شخص حول العالم، غير واضح على الرغم من الجهود البحثية الدولية والتقدم الكبير في الأبحاث.
ومع ذلك، فإن تحديد العوامل المسببة لهذا المرض العصبي غير القابل للشفاء أمر ضروري لإيجاد طرق أفضل لتشخيصه، وتأخير ظهوره، ومنع تطوره.
ومرض ألزهايمر هو مرض عضال يظهر عادة بعد سن 65 عاما. إلا أن التغيرات في الدماغ تبدأ قبل 20 عاما من ظهور المرض.
وتشرح مونتسي سولير لوبيز، رئيسة مجموعة البيولوجيا الهيكلية في المرفق الأوروبي للإشعاع السنكروتروني (ESRF): “نعتقد أن الخلل الوظيفي في المتقدّرة (أو الميتوكوندريا، وهي عضيات تحول نواتج الغذاء إلى طاقة) يمكن أن يحدث قبل 20 عاما من ظهور أعراض المرض على الشخص”.
ولفترة طويلة، ركز الباحثون على لويحات الأميلويد في الدماغ باعتبارها السبب المحتمل للمرض. ومع ذلك، يتم حاليا إعادة النظر في هذه الفرضية.
ويقوم فريق سولير لوبيز، بالتعاون مع علماء في معهد البيولوجيا الهيكلية في جامعة غرينوبل ألب وباحثين في مختبر علم الأحياء الجزيئي الأوروبي (EMBL)، بإجراء خط جديد من الأبحاث التي تركز على عوامل الشيخوخة، مثل خلل المتقدرة.
وغالبا ما يشار إلى المتقدرة باسم “قوة الخلايا” بسبب دورها الأساسي في إنتاج الطاقة. مع مرور الوقت، تعاني المتقدرة من الإجهاد التأكسدي، وهذا يؤدي إلى خلل في وظائفها.
وتشير النتائج الحديثة إلى أن المصابين بألزهايمر قد يظهرون تراكما للأميلويدات داخل المتقدرة، ما يتحدى الاعتقاد السابق بأن الأميلويدات كانت موجودة فقط خارج الخلايا العصبية.
وخلال المراحل الأولية من مرض ألزهايمر، تتواجد الأميلويدات عادة على شكل أميلويد بيتا قليل الوحدات (قليل القسيمات) قبل أن تتحول إلى ألياف ليفية.
وتبحث سولير لوبيز وفريقها في ما يحدث داخل المتقدرة خلال هذه المراحل المبكرة.
ويتم إنتاج الطاقة بواسطة المتقدرة من خلال السلسلة التنفسية التي تتكون من خمسة مجمعات بروتينية يجب أن تعمل بشكل تعاوني وفعال لتوليد الطاقة.
ومن بين هذه المجمعات، يتمتع المركب Complex I، أو CI اختصارا، بأهمية كبيرة باعتباره الإنزيم الأول والأكبر والأكثر أهمية في السلسلة التنفسية.
ولكي يعمل CI بشكل صحيح، تعد عوامل التجميع ضرورية، ويلعب مجمع عامل التجميع المعروف باسم “مجمع المتقدرة I“، أو MCIA، والذي يتكون من ثلاثة بروتينات أساسية – ECSIT وACAD9 وNDUFAF1، دورا محوريا في تنسيق تجميع CI لتحقيق الأداء الأمثل.
واكتشفت سولير لوبيز وزملاؤها أن ECSIT يلعب دورا في إلغاء تنشيط وظيفة أكسدة الأحماض الدهنية لـ ACAD9 من خلال عملية إزالة الدهون، وإعادة توجيه البروتين إلى دوره في تجميع المركب CI. وهذا يحمل أهمية لتنسيق وتنظيم آليات الطاقة الخلوية.
وتظهر ملاحظاتهم أيضا أن أحد المتطلبات الأساسية للتكوين السليم لـ”مجمع المتقدرة I” هو إزالة الفسفرة الخاصة بـ ECSIT، حيث يتيح نزع الفسفرة تفاعل ACAD9-ECSIT.
وكشفت النتائج التجريبية أنه في المتقدرة المنقاة، يصبح نزع فسفرة ECSIT أكثر وضوحا في وجود تراكم الأميلويد بيتا قليل الوحدات.
وبدوره، يؤدي تراكم الأميلويد هذا إلى فرط نشاط المركب CI، وفقا لزيادة ثبات “مجمع المتقدرة I” منزوع الفسفرة الذي يساعد في تكوين CI الصحيح.
وتختلف هذه النتائج عن الدراسات السابقة التي شملت أنسجة المخ من مرضى ألزهايمر، والتي أشارت إلى توقف مركب CI. وتشرح سولير لوبيز: “لقد لاحظنا العكس تماما، ما يشير إلى أنه في المراحل المبكرة من المرض، يحفز الأميلويد بيتا قليل الوحدات مركب CI المفرط النشاط، ما يخلق دورة ضارة تؤدي في النهاية إلى ضعف السلسلة التنفسية”.
وخلصت إلى أن “هذه النتائج تقدم نظرة ثاقبة حول دور الأميلويد بيتا قليل الوحدات في بداية المرض، ما قد يفتح طرقا جديدة لمعالجة مرض ألزهايمر في مراحله المبكرة”.
نشرت النتائج في مجلة Nature Communications.