في اكتشاف جديد، تمكَّن علماء الحفريات من تحديد بقايا أقدم أسلاف الثدييات المعروفين في العالم بجزيرة مايوركا الإسبانية.
وينتمي الكائن المكتشف إلى “الجورجونوبسيات” (Gorgonopsia)، وهي مجموعة منقرضة من الحيوانات “السينابسيدية” (Synapsids) التي عاشت في “العصر البرمي” (Permian) قبل نحو 250 إلى 270 مليون سنة.
كيف كانت الجورجونوبسيات؟
وتُعد الجورجونوبسيات الأسلاف التطورية التي أدت لاحقاً إلى ظهور الثدييات، واحتلت هذه الكائنات قمة السلاسل الغذائية في بيئاتها، إذ كانت المفترسات العليا التي سيطرت على الأنظمة البيئية في تلك الحقبة.
وتميزت الجورجونوبسيات بخصائص تجمع بين صفات الزواحف والثدييات، إذ كانت من ذوات دم حار، ما يعني أنها كانت قادرة على تنظيم درجة حرارة أجسامها بشكل مستقل عن البيئة المحيطة، مثل الثدييات الحديثة.
ومع ذلك، كانت هذه الكائنات تضع البيض بدلاً من الولادة الحية، وهو ما يجعلها مختلفة عن معظم الثدييات، ولعل أبرز ما ميَّز هذه الكائنات هو تطويرها للأسنان السيفية الحادة، التي كانت أداة فاعلة لتمزيق فرائسها.
وأشارت الدراسة المنشورة في دورية “نيتشر كومينيكيشن” (Nature Communications) إلى أن هذه الأسنان جعلتها واحدة من أولى الحيوانات التي تبنَّت استراتيجية الافتراس باستخدام أنياب طويلة، وهي سمة تطورت لاحقاً لدى مفترسات أخرى مثل النمور ذات الأسنان السيفية.
كان شكل الجورجونوبسيات يشبه الكلاب إلى حد ما، ولكن بدون الفراء أو الأذنين، كما امتلكت أرجلاً عمودية تحت أجسامها، بدلاً من الوضع الأفقي المنتشر لدى الزواحف.
ومنحها هذا التصميم الجسدي قدرة على الحركة بكفاءة أعلى، سواء في المشي أو الجري، وتُعتبر هذه الخاصية علامة فارقة في التطور، إذ مثَّلت مرحلة انتقالية بين طريقة حركة الزواحف البدائية والثدييات الحديثة.
وعاشت الجورجونوبسيات في العصر البرمي، وهي فترة زمنية شهدت تغيرات بيئية كبيرة، إذ كانت القارات في ذلك الوقت مجتمعة في القارة العظمى “بانجيا” (Pangaea)، ما أدى إلى تنوع بيئي كبير.
وتميزت تلك الفترة بمناخ موسمي يتراوح بين فصول رطبة وجافة، وكان هذا التنوع البيئي داعماً لظهور أنواع متعددة من الكائنات الحية.
وكانت تلك الحيوانات تتواجد بشكل رئيسي في مناطق ذات خط عرض مرتفع مثل روسيا وجنوب إفريقيا، ولكن اكتشافات حديثة في مايوركا الإسبانية كشفت عن وجودها في مناطق ذات خط استواء قديم، ما يغير الفهم التقليدي لتوزيع هذه الكائنات جغرافياً.
تعود البقايا المكتشفة في مايوركا إلى كائن صغير إلى متوسط الحجم يبلغ طوله نحو متر واحد، ووُجدت هذه البقايا في موقع بمنطقة “بانيالبوفار” الإسبانية حيث جرت الحفريات على 3 مراحل، استخرج خلالها العلماء كمية كبيرة من المواد.
وقبل 270 مليون سنة، لم تكن مايوركا جزيرة كما نعرفها اليوم، بل كانت جزءاً من القارة العظمى “بانجيا”، وكانت تقع عند خط استواء يشبه مواقع الكونغو أو غينيا الحالية، حيث كان المناخ موسمياً، يتراوح بين مواسم رطبة جداً وأخرى جافة للغاية.
ويُعد هذا الاكتشاف إضافة كبيرة إلى السجل الأحفوري الفريد لهذه الجزيرة، إذ إن معظم الاكتشافات السابقة تركزت على فترات أقرب مثل العصر الحديث الأقرب، والعصر الحديث، لكن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على فترات زمنية أقل استكشافاً.
نقلاً عن الشرق