في ظل الوحدة والتفرد التى يشدد عليها الإسلام في تصوير الإنسان، يتجلى الحق الأساسي الذي منحه الله لكل فرد من البشر في اختيار دينه ومعتقداته بحرية تامة، وهو الحق الذي أكده الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، حيث يُظهر قوله تبارك وتعالى في سورة الكهف “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف: 29)، حق الإنسان في اختيار إيمانه دون أي إكراه أو إلزام.
يحظى الإنسان بحق أساسي، وهو حق الحرية في الاختيار الديني والتعبير عن معتقداته بما يتفق مع رغبات قلبه وضميره، يعكس هذا الحق الرفيع قيم العدالة والإنسانية التي يحملها الإسلام، مؤكدًا على أن الدين ينبغي أن يكون خيارًا شخصيًا يستند إلى الإقناع والقناعة.
في هذا السياق فإن هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تُظهر تلك الحقوق الإنسانية الأساسية، وتسلط الضوء على توجيهات الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بعدم إرغام الناس في الدخول في دين الإسلام، مما يبرهن على أهمية الحرية الدينية واحترام اختيارات الإنسان.
كما تؤكد آيات القرآن الكريم الوحدة الإنسانية من خلال خلق الله جميع البشر من نفس واحدة، وتشير إلى أن تفاوت الناس يعتمد على الإيمان والأعمال، مُجسدةً بذلك مفهوم العدالة والمساواة في الإسلام.
فقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله عليه السلام “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف : (29)، ينهى الله سبحانه في تشريعه عَنْ إرغام الناس في الدخول في دين الإسلام وترك لهم الحرية المطلقة في اختيار عقيدتهم ومذاهبهم وأديانهم دون إكراه أو يفرض على الناس أداء الشعائر الإسلامية بالقوة في الصلوات والزكاة والصوم والحج، وترك الله للناس الحرية المطلقة في تأدية شعائر العبادات وهو حق خالص من حقوق الإنسان، لا رقيب عليه غير الله وحده يقضي ما يشاء على عبده.
ويؤكد الله على ذلك الحق مخاطباً رسوله عليه السلام بقوله سبحانه { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفصام لها والله سميعُ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: 256) ، كما خاطب سبحانه رسوله عليه السلام (وَلَوْ شَاء ربك لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تَكْرِهُ النَّاسُ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (يونس: 99).
فالناس جميعاً خلق الله وانتماؤهم الى نفس الأصول، منذ خلق الله آدم وزوجته، حيث بين سبحانه للناس فيما يلي وحدة الخلق الإنساني في قوله : يَا ايهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات: 13).
وقوله تعالي : (يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ، وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء: (1) يبين الله للناس في كتابه الكريم أنهم أخوة في الخلق، ووحدة الانتماء إلى أول الخلق الإنساني آدم وزوجته تأكيداً لقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم من نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعُ قَدْ فَضَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) (الأنعام: (98) ، فلا ميزة لإنسان على غيره إلا بالإيمان والعمل كما قال سبحانه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (الزلزلة: 7-8 ) .
في الختام يظهر لنا الإسلام كدين يؤكد على أهمية حق الإنسان في اختيار دينه ومعتقداته بحرية دون تدخل أو إكراه. يُظهر القرآن الكريم وتوجيهات الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، أن الحقوق الإنسانية في الإسلام ليست مجرد مفهوم نظري بل تمثل أساسًا يجسد العدل والرحمة.
وفي ظل هذه التوجيهات الإسلامية، يكمن تحدينا في بناء جسور الفهم المتبادل وتحقيق حوارات بناءة بين مختلف الأديان. فالهدف هو تعزيز التسامح ونبذ التعصب، والعمل جماعياً نحو تحقيق السلام والتفاهم العالمي.
إن رسالة الإسلام تدعو إلى التلاحم والتعاون، وهي دعوة لبناء مجتمع عالمي يسوده السلام والعدالة، حيث يحترم فيه الجميع حقوق بعضهم البعض ويعيشون في وئام وسلام.