من زوايا المكان في المعبر البري بين غزة ومصر، وعلى مقاعد الانتظار جلس الآباء والأمهات والأقارب وقد أنهكهم القلق وهم ينتظرون حافلات تنقل أبناءهم الطلبة من السودان نتيجة الأحداث الدامية هناك.
وصلت الحافلات التي تقل 194 فلسطينياً، ومن بينهم طلاب، من أبناء الجالية الفلسطينية من السودان إلى غزة، وخالطت البسمة دموع العائدين والمنتظرين. شباب ذهبوا لطلب العلم ولم يتوقعوا في أسوأ كوابيسهم أن يتحول البلد الذي قصدوه للحصول على الشهادات العلمية إلى نسخة مشابهة لما تركوه خلفهم من قصف ورصاص وفقر وانقسام في غزة.
الطالب العائد عدي الغصين تم إجلاؤه من الخرطوم بحافلة مع عشرات الطلبة الآخرين، يقول: «أول مرة في حياتي أرى هذه المشاهد الدموية المخيفة عن قرب، وبالنسبة للخوف والرعب كل واحد فينا كان حامل روحه في كفه».
ويؤكد الطالب عدي الذي نشأ في غزة، ونجا من حروب عدة، أنه لم يشهد مثل هذا العنف الذي رآه في الخرطوم. وتقول والدته الدكتورة كفاح الغصين، وهي تحتضن ابنها: «بحمد الله وصل ابني بعد رحلة شاقة، منذ ترحيلهم من ولايات شرق الجزيرة فجر الأحد». ستة أيام شاقة، إذ تم إجلاء ابني ومن معه من الطلاب والعائلات الفلسطينية في الخرطوم، عن طريق وادي الحلفا البري، باتجاه معبر أرقين على الحدود المصرية السودانية، ومن ثم باتجاه أسوان والانطلاق بعدها لمعبر رفح في رحلة عذاب مضنية، ومفارقات مؤلمة.
وتضيف الغصين: ما يؤلمني أن شعب السودان طيب وكريم وأصيل ولا يستحق هذا الموت والتوتر والدمار والتشرد، وأيضاً قلبي محترق لأن عدي خريج لم يتبقَ له سوى الفصل الأخير وكنت أتحرق شوقاً ليوم تخرجه في الجامعة بعد أربعة أشهر.
وعلى الرغم من أن غزة شهدت حروباً عدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وعانت نزاعات داخلية، فإن جميع من عاد من الطلبة يقول إنه شعر بالصدمة من مشاهد القتل وانتشار الأسلحة المستخدمة في الأعمال القتالية بين طرفي الصراع.
وقال محمد الذي اكتفى بذكر اسمه الأول «لم أتوقع في حياتي أن يشارك الطيران الحربي والمسير في معركة داخلية». وأضاف: جميع الطلبة الذين عادوا إلى غزة، رغم شجاعتهم، بحاجة إلى علاج نفسي نتيجة المشاهد المروعة التي شاهدوها من قرب وخصوصاً في طريق العودة البرية.
المصدر: جريدة البيان الاماراتية