احتفلت كل من ألمانيا وفرنسا مطلع هذا الأسبوع بمرور ستين عاماً على معاهدة الاليزيه، التي مثلت نقطة تحوّل في تحقيق المصالحة بين البلدين في أعقاب هزيمة النظام النازي في الحرب العالمية الثانية وفتحت الباب أمام عهود جديدة من التعاون والصداقة بين الدولتين.
وخلال فعاليات المناسبة، ردد الرئيسان إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس تصريحات قوية عن دور للبلدين حان أوانه، في إعادة تأسيس القارة الأوروبية، واختيار مستقبلها. وتحدث ماكرون عن «روحين في جسد واحد»، بينما أثنى شولتس على «الثنائي الشقيق». واعتبر الزعيمان في مقال مشترك أن على أوروبا استثمار المزيد في قواتها المسلحة وصناعاتها الدفاعية.
واكتسبت ذكرى معاهدة الاليزيه زخماً إضافياً هذا العام بسبب تزامن المناسبة مع تفاقم نهج العسكرة الذي بات يخيم على العالم بشكل متزايد جراء استمرار الحرب الأوكرانية متعددة الأطراف، والتي تتصدر فيها الدولتان الفرنسية والألمانية مواقع متقدمة إلى جانب دول حلف شمال الأطلسي.
وعلى الرغم من أن فرنسا وألمانيا تنتميان إلى كتلة الاتحاد الأوروبي، وتمثلان مركز القيادة في هذا التكتل، إلا أن الاتحاد يضم 27 دولة أخرى، ومن المهم بالنسبة لألمانيا أن تكون لها علاقة مميزة مع ثاني أقوى دولة في الاتحاد. حتى تمضي قدماً في توسيع نفوذها بشكل أقوى وضمان تنفيذ سياساتها على المستويين الإقليمي والدولي.
وبينما يبدو واضحاً أن تقارب الدولتين القويتين يمثل صرخة احتجاج وتحدٍ غير معلن لنظام القطبية الأحادية الذي تقوده الولايات المتحدة، إلا أن الأوضاع التي يعيشها العالم تجعل الولايات المتحدة تغض الطرف عن هذا التحدي.
فقد وفرت تداعيات الحرب الأوكرانية والمخاوف المرتبطة بها وضغوط الدعم ووحدة التحالف الغربي، فرصة ذهبية لألمانيا تمكنها من الذهاب مباشرة نحو المستقبل الذي تتخلص بموجبه من بقايا القيود المفروضة عليها منذ نهاية الحرب الثانية وفي مقدمتها حدود الإنفاق العسكري وعديد الجيش والتسلح، إضافة إلى حرمانها من مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي.
صحيح أن ألمانيا اليوم أقوى دولة أوروبية سياسياً واقتصادياً لكنها ليست الأقوى عسكرياً. لذلك فقد قررت في يونيو (حزيران) الماضي وفي خطوة تشكل منعطفاً تاريخياً في سياستها الدفاعية، تخصيص استثمارات بقيمة مائة مليار يورو من أجل تحديث الجيش والصناعات العسكرية.
وفي خضم الجدل الدائر حول تسليم دبابات «ليوبارد» الألمانية إلى أوكرانيا، شددت وزيرة الدفاع السابقة كريستينه لامبرشت، على مطالبة بلادها بدور قيادي في أوروبا، بما في ذلك الدور العسكري. وقالت إن هذا الدور يقع بشكل تلقائي على كاهل ألمانيا ببساطة بسبب حجمها، وحتى ضد إرادتها. وأكدت لامبرشت أن ألمانيا لا تطالب بهذا الدور القيادي بدافع الرغبة في القوة، ولكن من أجل «إعطاء دفعة للسلام». وأضافت أن ألمانيا تشارك في تحالفات، ولديها «نظرة رصينة للسلطة والجيش ومؤسسات قوية وثقافة سلمية. لذلك، لا ينبغي لأحد أن يخاف من هذا الدور القيادي». وتحمل هذه العبارات المختارة بعناية تطمينات للآخرين بقدر ما تنطوي على تحذيرات واضحة وصريحة.
نقلا عن الخليج .