في 4 أغسطس 2020، شهد مرفأ بيروت انفجاراً هائلاً، هز كل لبنان، أرضاً، وبشراً، وحجراً. يومها، لبست بيروت، وكل لبنان، ثياب الحداد، وبدت كأنها تمشي في جنازة الذين قضوا في الانفجار الكبير من الشبان والأطفال وكبار السن والنسوة، والشوارع والمنازل التي أصابها الدمار.
وبجدرانها الإسمنتية التي ما زالت مرتفعة بين الحطام، ووسط «نترات الأمونيوم» التي انفجرت تباعاً ولم يتوقف صداها، لا تزال بقايا صوامع القمح المدمرة في مرفأ بيروت رمزاً مجازياً للكارثة، ومقياساً دقيقاً لما كان قبل الانفجار وما حدث بعده، وصولاً إلى القرار الذي قضى، مبدئياً، بهدم معالم المكان ومحو آثار الجريمة الكبرى.
وبعد مرور 3 أعوام على الجريمة التي أودت بحياة 233 شخصاً وأكثر من 6500 جريح، وشردت عشرات الألوف، وأحدثت دماراً هائلاً، لم يتغير المشهد كثيراً: الردم على حاله في المرفأ كما في الأحياء الموازية له، قسم كبير من السكان لا يزال مهجراً بغياب أي خطة إعادة إعمار من الدولة، فيما التحقيق لم يصل إلى أي خيط بعد! وفي بعض تفاصيل القضية، لا يزال أهالي الضحايا المفجوعين يتنقلون من اعتصام إلى آخر، يحملون جراحاتهم وصور أحبائهم، مطالبين بالعدالة، ومهددين بإبقاء السلطتين السياسية والقضائية تحت «ضغط الشارع».
أما الخرق الوحيد الذي سجل عشية الذكرى الثالثة في جدار التحقيقات، فتمثل بتسلم وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبدالله بوحبيب، رسالة من 15 سفيراً وقائماً بالأعمال، من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الإنسان، يحثون فيها الجهات اللبنانية المختصة على الإسراع في التحقيقات القضائية الخاصة بانفجار المرفأ، بخلاف المنحى البطيء الذي سلكته حتى تاريخه، معربين عن قلقهم من الاستمرار في إعاقتها.
«بيروتشيما»
وهكذا، يستعيد 4 أغسطس غداً، ومضاته ولحظة ارتفعت فيها المدينة إلى السماء لترسم على زرقائها ما عرف بـ«بيروتشيما» (نسبة إلى «هيروشيما»)، حيث ستكون المناسبة، وبحسب تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، بعيدة كل البعد عن إحياء ذكرى 3 أعوام على الرحيل، وقريبة كل القرب عن تذكير المنظومة الحاكمة بإصرارها على الاحتفاظ بالحقيقة دون أن تأذن في الاستماع إلى أي مسؤول عاصر التفجير وأشرف عليه.
ما بين المشهدين، مرت 3 سنوات، سقطت خلالها كل دموع المقل، ولم تسقط حصانة سياسية واحدة من بوابة الـ2700 طن من مادة «الأمونيوم» التي انفجرت في المرفأ، وخلفت عصفاً حاكى ترددات هزة أرضية بقوة 4.5 درجات على مقياس «ريختر»، حولت بيروت لـ«مدينة منكوبة». أما في المقلب الآخر من الصورة، فمرت 3 سنوات ضياعاً، بين إحالة القضية على المجلس العدلي، ثم تعيين محقق عدلي (القاضي، فادي صوان)، ثم «تطييره» بالارتياب المشروع، ثم تعيين محقق عدلي جديد (القاضي، طارق البيطار)، ثم خوض معركة الحصانات إلى درجة لا يمكن معها استدعاء أحد!
وبين المشهدين أيضاً، فإن في خلاصة ما ثبت هو أن أهل الحكم والحكومة كانوا على دراية تامة بوجود «قنبلة كيماوية موقوتة» وسط العاصمة، ولم يتحركوا ولم يحركوا ساكناً لتفكيكها. وعليه، لا تزال الحصانات السياسية ترتفع، ويقام حولها سياج أكبر في الذكرى الثالثة على التفجير، فيما لا يزال المحقق العدلي، البيطار، يعمل على تحقيق العدالة، ولا تزال السلطة تعمل على عرقلته، في معركة ليست معركته هو وحده، بل معركة كل اللبنانيين، الذين يريدون الحقيقة والعدالة، ولسان حالهم يقول: «دولتي فعلت ذلك».
المصدر: جريدة البيان الاماراتية