اتهم الباحث المصري نصر حامد أبو زيد الخطاب الديني المعاصر بأنه اتخذ موقفاً نفعياً من التراث، بتحويل أقوال السلف واجتهاداتهم إلى نصوص لا تقبل النقاش أو إعادة النظر والاجتهاد، والتوحيد بين تلك الاجتهادات والدين في ذاته، وتجاهل جانب آخر من التراث يناهض هذا الاتجاه.
اتفق أبو زيد في مجمل كتابه “نقد الخطاب الديني” مع المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي فيما قاله في كتاب ” السنة النبوية الحقيقية” والذي أشار فيه الى أن هناك البعض الذى قدس التراث أكثر من كلام الله المقدس ذاته .
كما اتفق مع ما قاله المفكر العربي علي محمد الشرفاء في كتابه ” الخطاب الإلهي “، من دعوة صريحة جريئة صادقة مخلصة، لاعتبار كتاب الله تعالى – القرآن الكريم – حاملًا لمنهج الحق، الذي به خلاص الأمة، ويوضح أن المذاهب والطوائف بأساسها عبارة عن خلافات سياسية شخصيّة، صاغها عبر الزمن الأتباع حسب رياح أهوائهم، وأنَّ المسلمين اليوم أمام طريقين لا ثالث لهما: إمّا يسيرون في نور منهج كتاب الله تعالى – القرآن الكريم – كمعيارٍ لكل حركات حياتهم، وإمّا يستمرّون على ما هم عليه من السير في ظلمات مذاهبهم وطوائفهم التي مادّتها روايات ملفّقة على لسان الرسول عليه السلام، ومسبوكة في قوالب العصبيّات والأهواء المسبقة الصنع.
وفي كتابه ” نقد الخطاب الديني ” يقول الباحث نصر حامد أبو زيد أن “القرأة السلفية للتراث قرأة لا تاريخية، لا يمكن أن تنتج إلا نوعاً واحداً من فهم التراث وهو الفهم التراثي للتراث”.
كما وصف أن قرأته للتراث قرأة “سافرة ” تتخذ من التمسك بالجذور وسيلة لبلوغ المستقبل وعصر النهضة، من خلال الدفع بأن ما تم في الماضي يمكن تحقيقه في المستقبل، إلا أن الوسيلة تحوّلت إلى غاية، وأصبح الماضي نفسه هو مشروع النهضة المأمول، فأضحى المستقبل يُقرأ بواسطة الماضي، الماضي كما كان ينبغي أن يكون وليس الماضي الذي كان.
يعتقد أبو زيد في كتابه “نقد الخطاب الديني” أنه لا يوجد أساس شرعي للتمييز بين الخطاب الديني المعتدل والمتطرف ، فهذا تمييز إعلامي بحت في مناقشته أو حواره، حيث أوضح أنه يمكن سرد وحدة التطرف وآليات الوسطية على النحو التالي: وحدة الفكر والدين ، وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع ، والسيطرة اللاحقة للإدراك الأحادي الجانب للإسلام ، وكل تفسير لظاهرة الإحالة لمبدأ أو سبب أساسي وهو يعادل ظاهرة اجتماعية أو طبيعية ، تلغي نشاط الإنسان وإرادته ، وتعتمد على سلف أو سلطة التراث بعد تحويل نص التراث نصوص أولية مقدسة كالقرآن، ما يجعلها غير قابلة للنقد، وسيادة يقين ذهني وحسم فكري، ورفض أى خلاف فكرى في الأصول، وإهدار البعد التاريخي وتجاهله. ويتجلى هذا في البكاء على الماضي الجميل، يستوى في ذلك عصر الخلافة الراشدة مع الخلافة التركية.
ويتفق الخطابان في منطلقاتهم الفكرية، وهي مبدأ “الحاكمية” التي تقوم على تحكيم النصوص على حساب العقل، بما يجعل العقل تابعاً للنص، وهي التي بدأت في موقعة صفين، حين رُفعت المصاحف على أسنة الرماح. أما عن تعامل الخطاب الديني مع النص، فإنه يقوم على تجاهل البعد التاريخي لتطور المفاهيم القرآنية، وتطور اللغة، ويرفع شعار “لا اجتهاد في ما فيه نص” رغم أن مفهوم النص في التراث هو الواضح وضوحاً بيناً من آيات القرآن ولا يحتاج إلى غير إتقان اللغة العربية لفهمه. فمثلاً يقول السيوطي في كتابه ” الإتقان في علوم القرآن ” إن آية {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم} (النساء:23) ليست نصاً لأنها غير واضحة بذاتها إلا بعد إضافة محذوف وهو نكاح، فتكون حرم عليكم نكاح هؤلاء، لكن الخطاب الديني يتعامل مع المصحف كله على أنه نص، متجاهلاً مقولة أخرى للقدماء وهي: ” النصوص عزيزة “.