أتفق كتاب “الأمن القومي العربي وتحدياته المستقبلية”، مع رؤية المفكر العربى الكبير على محمد الشرفاء الحمادي، حول الأمن القومي العربي والذي عرضها في كتابه “ومضات على الطريق” فى الجزء الأول، والذي تناول فيه المفكر العربي على الشرفاء ضرورة تعديل ميثاق جامعة الدول العربية بهدف الحفاظ على مفهوم الأمن القومي العربى.
ومن هنا نعرض أهم ما توصل اليه كتاب ” الأمن القومي العربي وتحدياته المستقبلية ” للدكتور ميلود عامر حاج، والذي نشرته دار جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، حيث أشار الكاتب الى أن الأمن القومي يحتل عند الدول العظمى أهمية كبرى تتضح من خلال تعزيز الجهود وتوثيق الصلات انطلاقا من الدولة الواحدة تجاه المجتمع الواحد وما ينشأ عنهما من بناءات وعلاقات وتصورات تجاه الدول الأخرى.
وأوضح أن ازدياد حاجة الدول إلى مفهوم الأمن بتعميق مجالاته البحثية وحقوله العلمية بات يطرح إشكالات مفاهيمية واصطلاحية وأكاديمية، بحسب الدول وطبيعة سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء.
وقال أن ذلك يتزامن مع التهديدات والمخاطر الرئيسية والفرعية التي تزداد حدة وتوتر بدورها مع بروز العولمة وتراجع السيادة الوطنية للدول؛ كونها تعد من بين الرهانات الاستراتيجية والجيوإستراتيجية في عداد الدول والأمم التي لها حضور مؤثر في الساحة الدولية.
كما أضاف إن صراع الدول وتنافسها على المصالح أو القيادة أو التأثير فيما بينها يعد محك السياسة في ربح عملية التغير ذاتها التي تطال المجتمعات بحسب تطور العصر ونمو تقنياته التي باتت تطرح إشكالات متفاقمة من حيث التصور والمعاملة والسيطرة على نتائجها سواء أكانت إيجابية أم سلبية.
وفي ذات السياق أكمل الكاتب أنه لعل المجال الأمني بالرغم مما قيل عنه وكتب فيه؛ فإنه يبقى من الموضوعات الجادة في تثمين السياسات العامة للدول وبناء طموحات المجتمعات من خلال ما تطرحه من تقدم وتنمية وما يقوم ضدها من تحولات صعبة وخطرة، هذه الجدلية المطردة هي من وقع السياسات الليبرالية التي رأت أن العالم يشكل محل الصراعات ومنتدى للمصالح الآنية خلال تفعيل الاقتصاد الحر ومنطق السوق والربح السريع، فالتجربة السياسية في العالم الثالث عامة والوطن العربي خاصة طوال ما يزيد على نصف قرن أو أقل بالنسبة للبعض أو أكثر للبعض الآخر في التسيير والإدارة والقضاء والاقتصاد والتمثيل الخارجي لم تعد كافية في ظل ما آل إليه الوضع عمومًا.
أضاف الكاتب إن الدولة القطرية العربية بالرغم من كل ما حققته من انتصارات وما حصدته من انتكاسات هي في منأى عنها بحيث يعود أمر ذلك إلى ضعف البنيات وهشاشة الرؤى وانعدام أطر الإستراتيجيات لبلوغ مستوى القناعة لقطع دابر التراجع الداخلي أو الاختراق الخارجي؛ انطلاقا مما هو موجود على الأرض؛ لتبدأ من ثم مرحلة العد العكسي مع انسحاب الاتحاد السوفياتي ودخول المنطقة العربية حربين خليجيتين في ظل تهويد القدس الشريف وزيادة المستوطنات لليهود القادمين من العالم إليها وإجبار الفلسطينيين على مغادرة الأراضي المحتلة. وتلك تعد من مقاربات ومفارقات الأمن القومي العربي الذي بات في حيرة من أمره .
وخلص الكاتب أن هذا ما جعل إيران بالرغم مما تحمله من خطر مباشر على دول الخليج العربى؛ تتفوق هي الأخرى شأنها شأن إسرائيل وتركيا إقليميا من أجل البروز والهيمنة أكثر في المنطقة.
وتساءل الكاتب، ما هو مصير هذه الأخيرة إذن؟ وهل المستقبل المنظور سيجعلها تتدارك هذه النقائص والسلبيات أم ستتعمق ويصبح أمرها أخطر من ذلك؟ إلى أي مدى يمكن إيقاف هذا السيناريو الأخطبوطي الدامي بحجة التوصل إلى تطبيق معاهدة سايكس بيكو في الوطن العربي مجددا بهدف التقسيم والتجزئة والتفتيت؟ لا أحد يشك في ذلك وأخطر ما في الأمر أن يكون الصراع على أشده داخل كل مجتمع عربي ومن قبل أبنائه لصالح أجندات أجنبية لا نعرف منطلقاتها ومنتهياتها. رسالة كل دولة أيا كانت هو وقوفها سياسيا أولا في رد هذه المظاهر والتحديات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفشل الذريع الذي منيت به وهي لا تبالي حتى تدخل مرحلة المواجهة الميدانية مع كل ما يحاك ضدها في الداخل والخارج معًا.
وأشار الكاتب الى انه من الزاوية الأمنية فينبغي مراعاة ذلك حتى لا تتورط الدولة في متاهات ومجابهات على أرضها أمام غياب العدو الأجنبي.، فمثل هذه المقاربات هي التي عطلت من عمل الدولة القطرية العربية في ظل ما أصابها من وهن وضعف وتلاشي من دون أن تدخل مرحلة الصراع مجتمعها ليس إلا !
ويري الكاتب ان تنبؤات المرحلة القادمة أصعب وأشد مما قبلها في ظل إدخال الدولة القطرية العربية الواحدة باسم الإرهاب مرحلة من الركود والجمود والتشرذم في كثير من الحالات؛ بهدف تفويت فرصة الاستقرار والتنمية عليها وهو ما يبعث على الأسى والأسف الشديد. ومن هذا المنطلق يجب مراعاة محتوى الأمن القومي العربي على ضوء ما عرفه وسيعرفه في الآجال المتوسطة وبعيدة المدى بالرغم مما هو موجود من نتائج أيا كانت إيجابية أو سلبية. لكن مهما يقال عنها فهو تنبؤ بحصيلة ما وصلت إليه الدولة القطرية العربية الواحدة؛ انطلاقا مما انقادت حوله في التصور والبناء والتشييد وما تلقاه المجتمع عنها من ممارسة ومعاملة ورد الفعل، كما أن الإرهاب في العمق هو نقل عدوى الصراع إلى الداخل من أجل إشاعة الفوضى وتعميق التمزق وتكريس التخلف؛ بهدف تغليب منطق الإرهاب من أجل تكسير تلك العلاقة الموجودة لدى الدولة تجاه المجتمع وإحلال تبعية الآخر مكانها من منظور جيوبوليتيكي.
إن المرحلة المقبلة حبلى بالصراعات والنزاعات الداخلية؛ بهدف التراجع في الواجهة الخارجية تحت طائل الاتحادات والتكتلات القوية المضادة التي ترى في خصومها في الأقاليم الأخرى أعداء لها من أجل تأمين مصالحها وتعزيز مواقفها وضمان أمن مجالها الحيوي؛ فالسياسة صراع مصالح بين الداخل والخارج وأن أمنها مرهون بدعم وتقوية الثاني للأول بعيدا عن التآكل والفوضى والصراع .
لذا ينتقل الطرح الأمني في مفهومه الأعم لدى الدول الصناعية تحديدا إلى الأمن المائي والطاقوي والبيئي وغيرها؛ كونها مستلزمات أساسية تعكس بحق مدى تقدم الفرد وتنامي حاجاته وتوسيع نطاق حياته العصرية؛ ليشمل المكان والزمان والفضاء، وذلك بعيدًا عن الاختراقات والمضايقات الآنية التي تعدت الصراع مع الذات؛ بهدف تنميتها وخدمتها وتبجيلها حتى تزيد أكثر في السيطرة والتقدم والإنتاج، على عكس ما نراه في البلاد العربية، حيث درجة البحث عن القيم والمثل والأفكار التي تنير الطريق أمام الأمن والأمن القومي ما زالت ينقصها الاعتناء والمثابرة والاجتهاد ما يعيد الاعتبار لهذه الذات العربية في بناء صياغة جادة في الفكر والإستراتيجية؛ ما يعطي للوطن العربي مكانته في التاريخ بإنهاء مشروعات ومخططات وأجندات التفتيت والتجزئة والتقسيم التي تطال دولة من أجل أن تعيش سيناريوهات الفتن والحروب الأهلية والإرهاب .
ويأتي هذا الطرح متوافقا مع ما ذكرة المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابة “ومضات في الطريق” الجزء الأول في الفصل الرابع من الباب الأول في رسالة المفكر الكبير الشرفاء الي السيد امين عام الجامعة العربية.