نستعرض اليوم كتاب ” المرأة في القرآن” للشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي، والذي قال فيه ان الإسلام جاء لينقل البشرية من ظلمة الجهل إلى نور الهدى، وبما أن النساء والعبيد كانوا أكثر البشر قهرا واضطهادا قبل الإسلام ، فقد ألغى الاسلام الرق ، وشرع طريقة استنفاد مصادره ، وأرسى مبدأ تحرير المرأة من الظلم الذي عانته. وللأسف اليوم، أصبح دعاة التحرير ينتقدون الإسلام لإساءة استغلال النساء ووضعهن في مرتبة أدنى من الرجال. والسؤال هنا هل وصلنا حقًا إلى مستوى أفضل من حالة حقوق الانسان في الوطن العربي فيما يتعلق بالنساء ام العكس؟.
ويقول الشيخ متولي الشعراوي في كتابه “المرأة في القرآن” “قبل أن أبدأ، يجب أن أشرح حالة المرأة قبل الإسلام وكيف أعاد الإسلام للمرأة كرامتها وشخصيتها المستقلة ووضعها في مكانة رفيعة، فبموجب القانون اليوناني ، تم تضمين النساء في ممتلكات أولياء أمورهن ، سواء كانوا آباء أو إخوة أو أزواجًا ، وليس لديهم الحرية في التصرف بأنفسهم.
وبموجب القانون الروماني ، كانت المرأة تعامل كطفلة أو مجنون غير كفء وبقيت تحت سلطة وليها حتى وفاتها ، الذي كان له الحق في بيعها وإبعادها أو تعذيبها وحتى قتلها إذا لزم الأمر.
كما يوضح الشعراوي أن المجموعات اليهودية تعتبر النساء في صفة الخدم ويتم حرمانهن من الميراث وفقًا لقانون الأحوال الشخصية الإسرائيلي ، إذا مات الزوج ولم يكن له أطفال ذكور ، تصبح الزوجة زوجة لأخ زوجها أو لأبيه ، وما لم يتبرأ منها الزوج ويرفض الزواج منها ، تصبح الزوجة زوجة لشخص آخر.
ويوضح كتاب ” المرأة في القرآن” أنه في القانون الصيني ، كانت هناك قاعدة مفادها أن المرأة لا قيمة لها ويجب أن تُمنح أكثر الوظائف الوضيعة، وبموجب القانون الهندي ، تخضع النساء لآبائهن وأزواجهن وأطفالهن بهذا الترتيب وليس لديهن إرادة حرة.
ويضيف الشعراوي أنه بالنسبة لأوروبا ، التي تفتخر الآن بحريتها ، فقد كانت النساء داخلها ، في وقت ظهور الإسلام ، السلعة الأشد عملاً والأكثر تداولاً مقابل أجر منخفض، فقد كتب الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر في كتابه (علم الاجتماع) ): سنت المحاكم قوانين تمنح الأزواج الحق في إعطاء زوجاتهم لرجل آخر لفترة زمنية محددة ، بأجر أو بدون أجر ، ظلت سارية المفعول حتى عام 1933 عندما تم إلغاؤها. وبالمثل ، لم يكن للمرأة في أوروبا ، حتى فترة وجيزة ، الحق في المثول أمام المحكمة ، أو الدخول في عقود ، أو البيع ، أو التبرع دون موافقة أزواجهن.
وتثبت الأمثلة السابقة أن الإسلام كان أول من مكن المرأة وأعاد لها كرامتها وحريتها. أعطاها الحق في اختيار زوجها بحرية ، وعدم الزواج دون إذنها ، وسمح لها بطلب الطلاق إذا أصبحت الحياة مع زوجها مستحيلة، لديها الحق في التملك والتجارة والهدايا.
ويشير الكاتب الى أن السبب الرئيسى للخلاف بين الرجل والمرأة يكمن فى الفهم الخاطئ لهدف خلق كل منهما، فالرجل والمرأة لم يخلقا متنافسين، ولكنهما خلقا متكاملين. فقال تعالى : “والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى “؛ وهنا أراد الله تعالى أن يلفت النظر إلى قضية التكامل بين الرجل والمرأة ويشبهها بالتكامل بين الليل والنهار، فالليل والنهار يختلفان فى الطبيعة، فالنهار المضيء وجد للعمل والسعي، والليل المظلم وجد للسكون والراحة والنوم، وهكذا يختلف الليل والنهار فى طبيعة مهمتهما، لكنهما يكملان أحدهما الآخر، ولا تستقيم الحياة إلا بوجود كلٍّ منهما، فالرجل له وظيفته في السعي إلى الرزق، ورعاية زوجته وأولاده، وتوفير أسباب الحياة لهم، والمرأة لها مهمتها في رعاية البيت وإنجاب الأطفال، وأن تكون سكنًا لزوجها، قال تعالى “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون “.
وهكذا حدد الله سبحانه وتعالى المهمة المتكاملة للرجل والمرأة، فلا يصلح الرجل لمهمة المرأة، ولا تصلح المرأة لمهمة الرجل، ومن تمام الحياة أن يؤدي كل إنسان مهمته فيها، أما قلب الموازين، فلا ينجم عنه سوى الشقاء.
وفي هذا السياق يقول الكاتب والمفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي أن الله يدعو الناس جميعًا لاتباع منهاجه في كتابه المبين بالرحمة قبل القِصاص، والعفو قبل الحكم، والحسنة قبل السيئة، والكلمة الطيبة قبل الكلمة النابية، لأن المنهاج الرباني في القران الكريم يستهدف تحقيق السلام بكل شموليته في حياة الأسرة وفي المجتمع، ونشر السلام بين الناس جميعًا ليعيشوا حياة لا يُنغّصها نكد ولا حسد ولا حقد ولا كراهية، بل مودة ووئام وتعاون وسلام، لتستمر العلاقة الزوجية المبنية على المودة والرحمة، تؤدي واجبها تجاه المجتمع الذي تعيشه، والوطن الذي يحتضن أسرتها، تقدم له مواطنين صالحين يساهمون في تقدمه وتطوره للارتقاء بالحياة الكريمة لكل أفراده .
ويضيف الشرفاء أن الله تعالى في محكم آياته” وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 40)، وقول الله سبحانه: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: 43) حيث يشير المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي أن الله فى تلك الآيات أعطى الزوج حق الاختيار فى إتباع الأمر الإلهى في معاملة الزوجة بالعفو أو بالغفران وإصلاح العلاقة بينهما، مما يساعد ذلك السلوك الراقي والمعاملة الحسنة للزوجة من قِبل الزوج الحفاظ على استمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين وحماية الأسرة من التفكك لرعاية الأطفال بتربيتهم تربية صالحة .
ويرى الشرفاء أنه فى نفس الوقت عدالة الله المُطلَقة اقتضت مساواة الزوجين في التعامل مع أى منهما فى حالة خوف الزوجة من نشوز زوجها أو نشوز الزوجة، فقد أوصاهما الله باتباع سبيل الصُلح بينهما ولا ميزة لأى منهما على الآخر.