بعد أن انتهت أخطر 48 ساعة في تاريخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بانتهاء التمرد المسلح الذي قاده رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين، باتفاق وساطة من الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكاشينكو، ينص على أنه «بضمان شخصي من بوتين»، يتم نفي بريغوجين، المعروف بلقب «طباخ بوتين» إلى بيلاروسيا، بعد محاولته الفاشلة إطاحة القيادة العسكرية الروسية، وتحديداً وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف، يثور تساؤل في غاية الأهمية، ألا وهو: هل يسامح بوتين طباخه بريغوجين على خيانته الكبرى له؟، بعد إعلانه التمرد عليه وعلى نظامه وسيطرته على مدينتي روستوف وفورونيج والتهديد بأن هناك رئيساً جديداً لروسيا، فضلاً عن الزحف بصحبة 5 آلاف مقاتل نحو موسكو في محاولة للسيطرة عليها
هل سيغفر بوتين لطباخه كل هذا، وتكون كلمته هي الضمان لأمن وسلامة بريغوجين أم أن رجل «الكي جي بي» المحنك لن ينسى الإساءة ولن يعفر لمن يخونه أبداً، لأن الطباخ تجاوز الخطوط الحمراء لدى سيده، وتسبب في اهتزاز للدولة وأركان نظامها ولو كان على مدى ساعات؟
خيانة داخلية
في أوج الأزمة وبعد سيطرة «فاغنر» على مدينة روستوف الاستراتيجية، خرج الرئيس بوتين مخاطباً الشعب الروسي في كلمة وجه فيها كلمات الخيانة لبريغوجين، وتوعده برد حاسم وقاسٍ وسحق هذا التمرد. وقال: إن «تمرد مجموعة فاغنر المسلحة طعنة في الظهر، والمصالح الشخصية أدت إلى هذه الخيانة، ما نواجهه اليوم هو خيانة داخلية، وتمّ جر قوات «فاغنر» لمغامرة إجرامية».
وأضاف فيها: «كل من يقف إلى جانب الخونة سيحاسب، ويجب إنهاء جميع التصرفات التي تزعزع وحدتنا، وسندافع عن دولتنا أمام أي تهديدات». مؤكداً أن «روسيا تخوض قتالاً صعباً من أجل مستقبلها، والقوى الأجنبية كانت تستفيد من الطعنات التي نتعرض لها، ولكن لن نسمح بتكرار ذلك».
ولكن بعد الخطاب زاد بريغوجين من تحديه لبوتين، قائلاً: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أخطأ بشدة» باتهامه مقاتليه «بالخيانة»، مضيفاً أن قواته «لن تستسلم».
وذكر في تسجيل صوتي: «في ما يتعلق بخيانة الوطن أخطأ الرئيس بشدة.. نحن وطنيون.. لن يستسلم أحد بناء على طلب الرئيس أو الأجهزة الأمنية أو أي كان».
وأمر قواته بالزحف نحو موسكو بعد أن سيطر على مدينتي روستوف وفورونيج.
«تهدئة مفاجئة»
ولكن في مشهد دراماتيكي غير مفهوم، وبعد ساعات من زحف قرابة 5 آلاف رجل من قوات «فاغنر» باتجاه موسكو، وتوتر الأجواء الروسية في مقابل ارتياح أوكراني وغربي كبيرين بما يحدث من فوضى وتصعيد لا تعرف عواقبه داخل روسيا، فوجئنا بنهاية غير متوقعة للتمرد المسلح، بعدما أعلن رئيس مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين وقف تحرّك قواته تجاه موسكو، مؤكداً أنها استدارت وغادرت في الاتجاه المعاكس؛ وذلك عقب مفاوضات قادها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، انتهت بقبول فاغنر التراجع، والالتزام بخفض التصعيد مع أخذ ضمانات أمنية للمقاتلين.
وجاء في رسالة صوتية نشرها بريغوجين عبر «تليغرام»: «أرادوا حل شركة فاغنر العسكرية الخاصة. تقدمنا خلال 24 ساعة، وبقي أقل من 200 كيلومتر إلى موسكو. خلال هذا الوقت، لم تنزف قطرة واحدة من دماء مقاتلينا».
وأضاف: «الآن حل الوقت الذي يمكن فيه للدماء أن تُراق؛ لذلك، وإدراكاً منّا للمسؤولية الكاملة عن حقيقة أن الدماء الروسية ستُراق على أحد الجانبين، كتائبنا تستدير ونغادر في الاتجاه المعاكس للمعسكرات الميدانية وفقاً للخطة».
«إسقاط الدعوى وعدم الملاحقة»
وفي إطار التهدئة، أعلن الكرملين إسقاط الدعوى الجنائية بحق قائد مجموعة فاغنر، وعدم ملاحقة من شاركوا في التمرد المسلح، بعدما أعلنت المجموعة العودة إلى أدراجها، ووقف التصعيد بعد وساطة بيلاروسية.
وجاء في بيان رسمي للكرملين، أنه تقرر إسقاط الدعاوى الجنائية بحق رئيس مجموعة فاغنر، مضيفاً: «حقن الدماء كان أهم بالنسبة لنا من معاقبة المتمردين». وأكد البيان أن السلطات الروسية لا تعلم مكان وجود قائد مجموعة فاغنر حالياً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن: «مقاتلي فاغنر الذين رفضوا الانصياع إلى بريغوجين سيوقعون عقوداً مع الجيش»، وأن المشاركين في التمرد لن تتم مقاضاتهم.
وأكد بيان الكرملين، أن محاولة التمرد الأخيرة لن تؤثر في العملية الخاصة في أوكرانيا.
«لا يغفر الخيانة»
الرئيس الروسي وصف زعيم جماعة فاغنر ب«الخائن»، واتهمه ب«خيانة» روسيا و«طعنها في الظهر» بدافع «طموحات شخصية»، مؤكداً أن الرد على ذلك سيكون «صارماً وقاسياً» وسيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن روسيا.
لكن هدأت الأمور وحصل «الطباخ بريغوجين» على «ضمان شخصي من بوتين»، فهل سيكون كافياً لعدم تعرضه للانتقام في المستقبل؟
لقد ذكرت موسكو في وقت متأخر السبت أن بريغوجين سيذهب إلى بيلاروسيا، وسيتم إسقاط التهم الجنائية الموجهة إليه في صفقة لإنهاء تمرده؛ وذلك في إعلان يتوج 48 ساعة خطرة في البلاد، لكن الكثير لا يزال غير مؤكد.
مقابلة تلفزيونية قبل سنوات، أعاد العديد نشرها على مواقع التواصل، قال فيها الرئيس بوتين إنه يمكن «أن يغفر لمن أساء إليه»، لكنه استدرك قائلاً: «ليس على كل شيء». وعندما سأله المحاور: «ما هو الشيء الذي من المستحيل عليك التسامح فيه؟»، فرد بوتين قائلاً: «الخيانة».
وفي إطار تحليل ذلك الموقف قالت مديرة مكتب CNN السابقة في موسكو، جيل دوهيرتي: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «لا يغفر للخونة»، على الرغم من أنه طلب من زعيم قوات فاغنر، يفغيني بريغوجين الذهاب إلى بيلاروسيا، فإنه «لا يزال خائناً».
جاء ذلك في تصريحات تلفزيونية لدوجيرتي؛ حيث أضافت: «أعتقد أن بوتين لن يغفر ذلك أبداً، أعتقد أنها معضلة حقيقية، لأنه طالما أن بريغوجين يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها، ولديه نوع من الدعم، فإنه يمثل تهديداً، بصرف النظر عن مكان وجوده».
وأضافت: «يبدو بوتين نفسه ضعيفاً حقاً، لو كنت مكان بوتين، سأكون قلقة بشأن هؤلاء الناس في شوارع روستوف يهتفون لأفراد فاغنر عند مغادرتهم.. لماذا يهتف المواطنون الروس العاديون في الشارع للناس الذين يحاولون القيام بانقلاب؟ هذا يعني أنهم ربما يدعمونهم لكنهم قد يحبونهم.. أياً كان الأمر، فهذه أخبار سيئة حقاً لبوتين».
المصدر:جريدة الخليج الاماراتية