ومر عام على الحرب الروسية الأوكرانية، أهم وأطول الحروب فى العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم أنها تصنف طبقًا للعلوم العسكرية، بأنها حرب محدودة بين دولتين، وليست حربًا عالمية، فإنها حرب عالمية من حيث التأثير. فى البداية نتذكر عندما كانت روسيا وأوكرانيا ضمن دولة واحدة هى الاتحاد السوفيتى، خلال تلك الفترة أهدى رئيس الوزراء السوفيتى الأسبق خروشوف أوكرانيا شبه جزيرة القرم، التى كانت تابعة لروسيا، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى، قامت روسيا عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا بالقوة، بعد إجراء استفتاء بين أهالى المقاطعة، وتبعًا لذلك فرضت أمريكا ودول حلف الناتو عقوبات اقتصادية على روسيا منذ هذا التوقيت.
وفى يناير 2022، أعلنت أوكرانيا أنها سوف تنضم إلى حلف الناتو، الأمر الذى أزعج روسيا، باحتمال وجود قوات من 28 دولة على حدودها، وحذرت أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، ولما لم تلتزم بذلك قامت روسيا يوم 24 فبراير 2022 بالهجوم على أوكرانيا، حيث نجحت روسيا فى تدمير البنية الأساسية العسكرية الأوكرانية، فى الأيام العشرة الأولى من القتال، وذلك بالهجوم على المطارات والقواعد الجوية والرادارات ومراكز القيادة وقوات الدفاع الجوى والتجمعات الرئيسية والاحتياطيات الأوكرانية، ثم تقدمت لمهاجمة كييف العاصمة، لكن القوات الأوكرانية لجأت إلى حرب المدن، حيث تعثرت هجمات القوات الروسية. لذلك حولت روسيا اتجاهات الهجوم، وتقدمت شرقًا، حيث حققت فى ثمانية شهور الاستيلاء على 20% من الأراضى الأوكرانية، واستولت على أربع مقاطعات، هى لوهانسك ودونتسيك وزابوريجيا وخيرسون، بعدها قام بوتين بضم هذه المقاطعات إلى روسيا بعد عمل استفتاء بين أهالى هذه المناطق. وكان هدف روسيا منذ بدء القتال هو أربع نقاط رئيسية؛ إجبار أوكرانيا على أن تكون دولة محايدة، ونزع سلاحها مثل سويسرا، والثانية عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو أى حلف آخر، ثم أن تتعهد أوكرانيا بألا تكون دولة نووية. وأخيرًا تعترف أوكرانيا بحق روسيا فى ضم شبه جزيرة القرم إليها.
وخلال تلك الفترة تعرضت معظم دول العالم لمشاكل اقتصادية بسبب نقص الحبوب من الذرة والقمح والزيوت والأسمدة، حيث تنتج روسيا وأوكرانيا ثلثى احتياجات دول العالم من الحبوب، حيث قل المعروض، وارتفعت الأسعار، وفى مجال الطاقة، زادت الأزمة، حيث إن احتياجات أوروبا تصل إلى 50% من الطاقة من روسيا، ولذلك ارتفع معدل التضخم فى معظم دول العالم.
خلال تلك الفترة كان الدعم العسكرى من حلف الناتو والولايات المتحدة إلى أوكرانيا عبارة عن أسلحة دفاعية، مثل صواريخ جالفن المضادة للدبابات وصواريخ ستينجر للطائرة بمدى يصل من 3 إلى 5 كيلو حتى عندما قامت أمريكا بتزويد أوكرانيا بصواريخ هيمارس، التى يصل مداها إلى 70 أو ثمانين كيلو كان شرط الولايات المتحدة ألا تقوم أوكرانيا باستخدامها لقذف العمق الروسى لتجنب تصعيد روسيا أعمال قتالها، وليصبح لها مبرر لاستخدام القنابل النووية التكتيكية.
ومع دخول الشتاء تغيرت استراتيجية روسيا، حيث عمدت إلى عدم القيام بعمليات هجومية رئيسية، والاكتفاء بتحسين موقف قواتها على الخطوط الدفاعية التى وصلت إليها، وأصبح هدفها هو الاستيلاء على خاركيف من وجهة نظر تكتيكية لأنها عقدة مواصلات مهمة فى المنطقة، كما قامت بتدمير البنية الأساسية التحتية المدنية الأوكرانية، وبالذات الكهرباء، حيث وصل عدد المحرومين من الكهرباء فى أوكرانيا إلى 9 ملايين أسرة فى الشتاء القارس. كذلك ركزت روسيا على تضييق الخناق على إمداد الدول الأوروبية بالغاز لإجبار شعوب هذه الدول على الثورة ضد حكوماتها بسبب دعم أوكرانيا فى حربها ضد روسيا، وبدأت روسيا خلال هذه الفترة بالاستعداد لهجوم شامل أمام أوكرانيا فى الربيع القادم عندما يذوب الجليد، وتصبح الطرق والمحاور أكثر صلاحية لتقدم القوات وسهولة الإمداد بالذخيرة والمواد اللوجستيكية.
وأخيرًا، بدأ الغرب فى العمل على إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية، تمثلت فى دبابات ليوبارد الألمانية، وهى دبابات قتال رئيسية، كذلك قامت أمريكا بإمدادها بالدبابات M1A1 إبرامز، وهى أحدث ما هو موجود فى الترسانة الحربية. كذلك قامت بريطانيا بإمدادها بدبابات تشالنجر، ومن فرنسا دبابة الاستطلاع «أم أكس»، وفى نفس الوقت قامت أمريكا بتزويد أوكرانيا بصواريخ الباتريوت المضادة للطائرات، كذلك شجعت إسرائيل على إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية، ولعل أهمها نظام القبة الحديدية، كذلك دبابات من قطر وبولندا وكندا.
ولقد طلبت أوكرانيا أيضًا طائرات إف 16 أمريكية، لكن حتى الآن تحفظت أمريكا والدول الأخرى على ذلك الطلب، حيث إن هذه الطائرات تحتاج إلى تدريب كبير للأطقم الأوكرانية، ورغم أن هذه الأسلحة الهجومية الجديدة من الدبابات من أنواع متطورة، فإن حجم الدبابات المنتظر وصولها إلى أوكرانيا حوالى 150 دبابة، وسوف تدخل المعركة، ليس قبل الربيع القادم نظرًا لحاجة الأطقم الأوكرانية للتدريب عليها لأن تسليح الجيش الأوكرانى فى السابق كان دبابات روسية، كذلك فإن هذه الأعداد لن تحقق للجيش الأوكرانى نسبة تفوق للقيام بعمليات هجومية لاستعادة الأراضى التى فقدها فى العام الماضى. لذلك من المنتظر تأخرها فى اللحاق بعمليات روسيا فى الربيع القادم.
لذلك تعقدت الأمور فى سبيل الوصول إلى مباحثات سلام بين الطرفين، حيث اعتبرت روسيا أن ما تقوم به الولايات المتحدة هو حرب بالوكالة تنفذها أوكرانيا لصالح أمريكا ودول حلف الناتو، وحتى عندما نادى هنرى كيسنجر وبعض المفكرين بضرورة سرعة الوصول إلى سلام لحل هذه المشكلة، حيث يرى العديد منهم أن روسيا لا يمكن أن تخرج من هذه الحرب مهزومة، وكذلك أمريكا ودول حلف الناتو، لذلك مطلوب الآن سرعة الوصول إلى مباحثات سلام بين الأطراف المتصارعة، وإلا فإنه مع دخول الربيع سوف تقوم روسيا بعمليات هجومية شاملة للاستيلاء على المزيد من الأراضى الأوكرانية. ومن المنتظر أن يكون هدف روسيا الأول فى هجوم الربيع القادم هو الاستيلاء على ميناء أوديسا على البحر الأسود لمنع أوكرانيا من أن تكون لها موانئ على البحار، وخاصة البحر الأسود، وبعد أن فقدت السيطرة على بحر أزوف. وسوف تستخدم روسيا فى هذه المعارك أسلوب الأرض المحروقة، مستخدمة أنواع الصواريخ الروسية الجديدة كينج والإسكندر ويوم القيامة، كذلك من الممكن أن تفكر روسيا فى الاستيلاء على كييف العاصمة لإسقاط النظام الأوكرانى. كل هذه التقديرات سوف تقود العالم إلى ضرورة اللجوء إلى السلام لأن السلام هو الذى سيعود ليس على روسيا أوكرانيا فقط ولكن على كل دول العالم.
نقلا عن المصرى اليوم .