قال المتدبر السورى فى كتاب الله القرآن الكريم عزيز احمد، أن الله تعالى أخبر أنه أنزل القرآن على رسوله وخاتم رسله محمد صل الله عليه وسلم بالحق ليحرر كل من يتبعه من مختلف القيود والأغلال والأثقال التي تجعلهم أسرى وعبيدا، لا ليستعبدهم ويجعلهم أسرى وعبيدا، وأمره أن يكون داعيا الناس كلهم إلى التحرر من كل العبوديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية في قوله{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف157] وقوله{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }[آل عمران 64] وأمره بتبليغ رسالة الإسلام للناس كلهم{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة67] دون أن يلجأ في تبليغهم إلى أي نوع من أنواع الضغط والإكراه على قبول ما يبلغهم ويدعوهم إليه بقوله{ ومَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ومَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }[الأنعام,107].
وأشار عزيز إلى قوله تعالى:{ ومَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }[النساء ,80] وقوله:{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ }[الشورى,48] وقوله:{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ومَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }[الإسراء,54] ولا جبارا مسيطرا عليهم بقوله:{ ومَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ }[ق,45] وقوله:{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ }[الغاشية 21-22] وقوله :{ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }[الزمر,41] وقوله:{ والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }[الشورى6].
وتابع المتدبر فى كتاب الله، أمر الله رسوله الكريم أن يخبر الناس أن لهم أن يختاروا لأنفسهم ما يحبون وأنهم يتحملون مسئولية اختيارهم، وأن ليس عليه إلا أن يدعوهم ويبلغهم البلاغ المبين{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ واصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[يونس,108-109] وأن من اهتدى منهم فالنفع يعود إليه، ومن ضل فعليه ضلال كفره:{ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ }[النمل,92] وقوله:{ وقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ والأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وإنْ تَوَلَّوْا وإنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ واللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }[آل عمران,20] وقوله:{ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }[النحل81-82] وقوله:{ وإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وعَلَيْنَا الْحِسَابُ }[الرعد,40].
أوضح عزيز احمد أن الله أعلن أن القرآن دليل ونور يستضيئ به الناس ليعرفوا به السبل التي تهديهم للسلام وتخرجهم من ظلمات الحرب والعدوان:{ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ }[المائدة ،15- 16] ويعلن أن السلام والأمن فيه هما من أسماء الله سبحانه:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ }[الحشر, 23] وأن الرسالة التي كلّف الله بها محمدا هي رسالة رحمة وسلام للعالمين:{ ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء 107] وأنه لا يأمر بالقتال إلا لدفع العدوان الذي لا سبيل إلى رده إلا بالقتال وأنه ينهى عن الاعتداء:{ وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[البقرة ,190] ويبين أن الإكراه مستبعد تماما في جميع ميادين الحياة :{ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ }[البقرة,256] وأن ليس لأحد أن يكره الناس على أي شيء وأن الله لو شاء أن يجعل الناس مؤمنين بالإكراه لفعل دون حاجة إلى أحد:{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَن مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[يونس ،99] وأن الله لا يتأثر بكفر جميع من في الأرض في قوله:{ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ ومَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }[إبراهيم,8] وقوله:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُم وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء 170.
أشار إلى أن فقهاء الطغيان أطلقوا على الحروب التي خاضها الذين آمنوا في زمن النبي اسم الغزوات، وأطلقوا على الحروب التي شنها السلاطين من بعد وفاته اسم الفتوحات، والمتتبع للقرآن وللتاريخ الموافق له يجد أن سياسة الرسول منذ بداية بعثته قامت على ما أمر الله به في القرآن الكريم بالدعوة إلى سبيل الله بالطرق السلمية بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن بتقديم الحجج والأدلة والبراهين التي تهيء عقول وقلوب المجادلين لقبول الحق وترك الباطل عن رضا وقناعة دون أي إكراه بقوله:{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [النحل,125] ويجد أن يثرب قد تم فتحها بهذا النهج السلمي الذي أيد الله فيه الذين آمنوا بنصره وهم قلة مستضعفون في الأرض مقهورون تحت حكم فراعنة قريش يخَافُونَ أَنْ يقتلونهم فآواهم وجعل لهم من يثرب بلدا يأوون إليه، ويقاومون أعداءهم منه فقد ذكر الله الذين آمنوا بما كانوا عليه من الضعف وقلة العدد، وبما كانوا عليه من الأذى الذي ينالهم ، والخوف في أرض مكة على أيدى كفار قريش. يخافون أن يختطفهم الناس لتعذيبهم وقتلهم، حتى فتح الله لهم باستجابة أهل يثرب لما دعاهم إليه رسول الله من البيعة على الطاعة والولاء لله والرسول، وإلى إيوائهم ، وجعلهم ليثرب بلدا يأوون إليه طوعا بإرادتهم الحرة وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات لكي يشكروه على ما رزقهم وأنعم به عليهم وليعبروا فلا يقعدوا عن الاستجابة عن الحياة التي يدعوهم إليها رسول الله :{ واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال26] ويجد أن الله قد أثنى على الذين بايعوا الرسول طوعا ومحبة واختيارا على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون خوف، بيعة علنية حرة تعهدوا فيها بأن يؤوه ويحموه ويمنعوه ومن معه من أن يعتدى عليهم بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [الفتح,10] وقوله:{ والَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ والإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر,9].
وتابع المتدبر فى كتاب الله عزيز احمد ” تجد سورة كاملة اسمها سورة الفتح تحدثت عن صلح الحديبية الذي أدى إلى دخول الآلاف في الإسلام بإرادتهم الحرة عن اقتناع بأنه دين الحق والسلام والحرية والعدالة قال الله تعالى عنه :{ إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِرَاطاً ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الفتح1-3]، ويجد أنه بُشر بالفتح السلمي لمكة وبدخول الناس أفواجا في دين الله بإرادتهم الحرة في سورة النصر: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} ، ويجد أن الحروب التي اضطر المسلمون بقيادة النبي إلى خوضها كانت حروبا دفاعية عن أنفسهم ووجودهم، وعن حقهم في حرية العبادة والاعتقاد كما أمر الله بقوله: { وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[البقرة,190] ويجد أن الله سمى المعارك الكبرى بين المسلمين والمعتدين عليهم في بدر وأحد والأحزاب وحنين أياما من أيام الله أيدهم الله فيها بنصره ولم يسمها غزوات بقوله:{ ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران,123].وقوله عن يوم أحد:{ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ [ 166آل عمران] وقال عن يوم الخندق أنه هزم الأحزاب وحده:{ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } وعن يوم حنين:{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ }[التوبة,25] .
أضاف أن أصحاب السيرة والحديث والمؤرخون يذكرون أن عدد الوفود التي قامت بمهمات خارج حدود الدولة التي أطلقوا عليها اسم سرايا قد بلغ نحو السبعين وأنّ 25 منها كان يتراوح ما بين 3 و60، وذكروا أن عدد المعاهدات التي عقدها رسول الله مع القوى الخارجية خلال فترة حكمه بلغت خمس وعشرين معاهدة كلّ سنة وذكروا أنه كان يوصي أمراءها ويقول لهم:”لأَنْ يَهْــدِيَ اللَّــــهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْـــكَ رَجُـــــــلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، ومن ذلك نستنتج أن وفود رسول الله لم تكن سرايا حربية كما صوّرها الرواة والمؤرخون المسلمون في كتبهم، بل كانت بالمصطلحات المعاصرة عبارة عن دوريات وبعثات بعضها كانت لأغراض استطلاعية لجمع معلومات عن أوضاع قبائل العرب عامة وقريش خاصة، وبعضها كانت لأغراض استعراضية لإظهار قوة دولة المدينة وقدرتها على الدفاع عن نفسها، ولتحذير هذه القبائل من العدوان عليها. وبعضها كان لأغراض سياسية تفاوضية للتحالف مع بعض القبائل ولتحييد أخرى، وبعضها كان لأغراض تعليمية. كما نستنتج أن الرسول سياسته الخارجية قامت على نهج الرّحمة المهداة البعيد عن كل أشكال الإكراه ،والتسلّط، والعنف والغلبة، والإخضاع، وأقام العلاقات معهم على السّلام والتعارف والتعاون وحسن الجوار، والمصالح المتبادلة، وعلى حلّ المشاكل والخلافات مع القوى الخارجية بطريقة قائمة على التفاوض والحوار، والتفاهم والتوافق بقصد التوصل معهم إلى حلّ بنّاء يجعل الخصم يقبل على السلام والإسلام بإرادته، ويحقق المنافع المشتركة للجميع، ويضمن حرية تنقل الأفكار و المعلومات.