قال المتدبر فى كتاب الله عزيز احمد، أن النبي محمد صل الله عليه وسلم اعتمد على التنمية من أجل تحرير الناس من كل أشكال البغي الاجتماعي والاقتصادي، ومن كل أشكال الحرمان والاستغلال والفقر والجوع والعري والجهل والمرض.
أضاف أن الناظر في مجموع العمليات التي قام بها النبي في ميدان تنمية موارد الدولة وتنمية الإمكانيات الذاتية للأفراد والمجتمع في الدولة التي أسسها في المدينة المنورة يجد أنه نظم موارد الدولة وسيرها بشكل يضمن توزيع ثروات الدولة على جميع أفراد المجتمع بالعدل والقسط توزيعا يشبه توزيع الدم في جسم الإنسان، لأنّ حاجة جميع الأفراد إلى المال لا تنقطع، كحاجة جميع أعضاء البدن للدم، وكما أنّ الدم لا يمكن أن يبقى في ناحية من الجسم دون بقية الأنحاء، ولابد من أن يدور، ويصل إلى جميع الأعضاء، كذلك المال لابد وأن يدور ويصل إلى جميع أفراد المجتمع.
وأشار إلى أن النبي الكريم قدم صورا رائعة لا نظير لها في تاريخ البشر في تحريره للناس من مختلف القيود والأغلال في مختلف ميادين الحياة، وخاصة في ميدان التنمية، انطلاقا من أن الأرض وما عليها وما فيها لله، وأن الناس عباد الله لهم حقوق متساوية منها وقال: ” الأرض أرض الله، والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتا فهو أحق به “وقال: “العباد عباد الله ، والبلاد بلاد الله ، فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له ” وقال:” الناس شركاء في ثلاثة الماء الأنهار والأودية والبحار) والكلأ (العشب والنبات الطبيعي والغابات) والنار (موارد الطاقة) “.
وتابع عزيز احمد ” النصوص والوقائع تبين أن رسول الله وخاتم الأنبياء عاش بين الناس كواحد منهم، وأكل من عمل يده وعرق جبينه،, وحث الناس على العمل والإنتاج من أجل استغلال الموارد المتوفرة، وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي، وتنشيط التبادل التجاري لتوفير الحاجات الأساسية للجميع، ولحماية المجتمع من أعمال السرقة والسلب والنهب، ولمنعهم من التفكير بالعدوان على الغير وغزوهم وسبيهم ونهبهم كما كان عليه الحال قبل الإسلام، وليكونوا قادرين على التعبئة للحرب لصّد الاعتداءات الخارجية”.
وأوضح المتدبر فى كتاب الله أن النصوص تبين أن الرسول كان يدعو الناس إلى العمل والكسب الحلال وإلى أن يعيشوا من عرق جبينهم ليكونوا أحرارا و لا يكونون عالة ولا تبعا لغيرهم، وليتحرروا من هيمنة أهل البغي المعرفي والاجتماعي والاقتصادي، ومن التبعية لهم، ولتجنب الفقر والبطالة والوقوع تحت سيطرة أرباب المال، وبيَن لهم أن العمل يورث العفة ويحفظ الكرامة ويجعل الإنسان حرا فعالا نافعا في مجتمعه، واعتبر كل جهد فكري أو عضلي يقوم به الإنسان في ما أحله الله ويعود عليه أو على غيره بالنفع والخير، فرضا وواجبا وجهادا، وأخبر أن خير الكسب هو الذي يكون من عمل اليد وأن الأنبياء قد عملوا وعاشوا من عمل أيديهم وقال:”مَا أكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه وَإنَّ نَبيَّ الله دَاوُدَ كَانَ يَأكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ”.
أضاف أن النبي علّم الناس أن ينظروا إلى العمل بتقدير واحترام على أنه السبيل إلى الحرية والكرامة، وإلى البطالة على أنها آفة وسبيل إلى التبعية وللعبودية، وإلى التسول ومسألة الناس على أنه مذلة ومهانة وتنازل عن الحرية والكرامة وقال:” لأنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلا فَيَنْطَلِقَ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ مِنْ الْحَطَبِ وَيَبِيعَهُ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ حَرَمُوهُ ” وقال:” لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ أحداً، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ ” وقال:”لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ أحداً، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ ” وحثهم على العمل والكسب الحلال من عرق جبينهم، وبيَن لهم أن هذا يورث العفة ويحفظ الكرامة ويجعل الإنسان حرا ، و لا يكون عالة و تبعا لغيره من أهل البغي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وقال:” أزكى الأعمالِ كسبُ المرءِ بيدِه” وقال: “طَلَبُ كَسْبِ الْحَلاَلِ فَرِيضَةٌ” واعتبر كل جهد فكري أو عضلي يقوم به الإنسان ويعود عليه أو على غيره بالنفع والخير، فرضا وواجبا وجهادا وقال:” طلب الحلال جهاد ” وقال:” طلب الحلال فريضة ” وقال:” طلب الحلال واجب على كل مسلم” وبيَن أن الساعي في طلب الرزق لينفقه على أولاده كالمجاهد في سبيل الله:” وقال :” من خرج يسعى على ولده صغاراً، فهو في سبيل الله، ومن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، ومن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله” وقال:” من أمسى كالاّ من عمل يده أمسى مغفورا له”.
وقال عزيز احمد أن النصوص والوقائع تبين كذلك أن النبي عاش وهو رئيس للدولة عيشة أضعف الضعفاء فيها ، وكان يخدم نفسه بنفسه، ويعيش من عمل يده ويجلس على الأرض لطعامه ليكون قدوة لكل الحكام في كل زمان ومكان في أن يكونوا كذلك ويقول:” إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ” ويقول:”إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا” وكان إذا نظر إلى رجل وعلم أن له حرفة يعيش منها أعجبه، لأن المرء إذا لم يكن له حرفة يعيش منها يكون بطالا لا يتحرر من القيود والأغلال التي يفرضها عليهم أرباب المال والجاه والسلطة وقال: “إن الله يحب المؤمن المحترف ويكره البطال” وكان إذا نظر إلى شخص يده خشنة من آثار العمل قال:” هذه يد يحبها الله ورسوله” وكان يشارك الفقراء والمحرومين والعبيد حياتهم وآلامهم، وأفراحهم ويتفقّد أحوالهم ويقضي حوائجهم، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، ويشرف على تعليمهم وتزكيتهم من المخاوف والأوهام ويتخذهم أصدقاء، وجلساء، ومستشارين، ويشركهم في إدارة شؤون الدولة، ويكلّفهم بمهمات حسب كفاءاتهم، لأنه من غير تمتع الناس في المشاركة في السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، ومن غير تمتعهم بحرية التعبير وتحصيلهم على تعليم مناسب وعناية صحية مناسبة لا تتحقق حريتهم، ولا يتحقق التكافل الاجتماعي والشراكة الفعلية بين الجميع على أساس المساواة بينهم ذكورا وإناثا، ولا تتحقق التنمية التي تحرر الناس.
وتابع ” لأن حاجيات الناس الأساسية تتعرض لانتهاكات أهل البغي، ولأن الفئات الضعيفة هي الأكثر تعرضا لانتهاك حقوقها، سعى النبي إلى حماية العمال من الاستغلال، ونهى أرباب العمل عن ممارسة أي نوع من أنواع استغلال العمال والتعدي على حقوقهم، وأمر أرباب العمل بإعطاء العمال أجورهم المناسبة لأعمالهم وأن يدفعوا لهم أجورهم فور انتهائهم من إنجاز أعمالهم، وبيّن عظم إثم من يمنع العامل من أجره بقوله :” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وأعلموه أجره وهو في عمله ” وقوله:” ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ.. وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ ” و جعل التكفل بهذه الفئات من مسؤوليات الحكومة، وقال׃” مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا(أطفالا) فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ “وقال׃ ” مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ “وقال׃”مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا(عاجزا) فَإِلَيْنَا” وأوجب على الحكومة حماية هذه الحقوق و أوصى الأمراء والولاة بفتح أبوابهم لذوي الحاجة والخلة والمسكنة وإعطائهم حقوقهم وقال:” ما من أمير ولا وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته ومسكنته”.