قال الدكتور محمد صلاح، الباحث والمتدبر في كتاب الله، أن دولة الرسول صل الله عليه وسلم قامت على التعددية وقبول الآخر طالما أن هذا الآخر يسالم ولا يتعدى على الحقوق والحريات، وكان مبدأ المساواة في المواطنة هو ركيزة هذه الدولة، فقد قيل في ما روي أن جار الرسول كان يهوديا، موضحا أنه لا يعتمد المرويات على انها مثلمه، ولكنها حجة من مروياتهم عليهم لاثبات قبول الآخر، ولا إرغام له على اتباع ملة معينة ليكون من أبناء الدولة الجديدة، فلا تفريق في الواجبات والحقوق، ولا تفريط في التزامات أو أسس، الكل تحت راية الدولة سواء، مع الاحتفاظ بحق تأدية الشعيرة العقدية بحرية دون تضييق أو نفور.
أضاف أن الرسول الكريم طبق الاسلام بصورته الإلهية التي وردت له في كتاب الله، فكان الكُل مسلم بملل متعددة لأن الأحادية لله وحده وغيره متعدد ومتبدل ومتغير، ومبدأ الاختلاف والتعددية سواء كانت سياسية أو عرقية أو لغوية أو مذهبية قانون إلهي، وكل من يريد فرض الأحادية يهلك بمفهوم القرية كما ورد في كتاب الله﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) (58) الإسراء، لافتا إلى أن القرية هي الرمز الإلهي لمفهوم الثبات والاحادية، وحتى اليوم لفظ قرية يعني أنها تنتمي لشكل واحد فأهل القرية يتشابهون في كل شئ.
وتابع الباحث والمتدبر فى القرآن الكريم ” كانت دولة الرسول تحمل كل معاني الديمقراطية والمساواة في كل مناحي الحياة، لا تفريق، لا جزية، لا تضيق في الطرقات كما روي، ولكل مواطن كافة الحقوق والحريات التى لا تتعارض مع حريات غيره، ونُظمت الدولة على ذلك ولا ادري من بدل هذا واسماها دولة الخلافه؟ لقد ذهب من فعل هذا برسالة محمد الى قلب الآية السابقة فقد حول الدولة المدنية الى قرية لأُناس شكل واحد ونهج واحد لا يقبلون الآخر وهم أصحاب الحق في فتح الدول لنشر فكرهم بالقوة فحق قول الله عليهم بأن اهلكهم وبادت قريتهم، مثلهم كمثل ما فعلته الكنيسة قبل عصر النهضة في أوروبا فسقطت تحت علم المواطنة والدولة المدنية، وأيضا مثلهم كمثل النازية في المانيا أو الشيوعية في روسيا اُزيلوا من الوجود لعنصريتهم واقصائهم للآخر، واعتبار أنفسهم الأسمى والأفضل، والتاريخ خير شاهد” .
وأشار صلاح الى أن محاولات البعض من ملتحفي عباءة الاسلام المزور لن تقوم لها قائمة ولن تنتج الا الكره والبغض والتفريق وخلق الحقد وتشويه سمعة الرسالة الخاتمة، وعليهم أن يعترفون أن ما يقومون به ما هو إلا محاولة استعادة سلطه لا عودة اسلام، متابعا، الاسلام لم يغادر الأرض كلها بنسخته الإلهية ولكن ما غادر الأرض بغير رجعة هو الاسلام بنسختكم المحتلة القاتلة للآخر والتي تسبي وتغتصب بغير حق تزويرا وكذبا على رسول الله ورسالته للناس كافة، ولا أراكم الأن إلا تحاولون محاولات يائسة لإعادة نسختكم المشوهة مفتخرين متباهين بالقتل والذبح آيام سيادة تعجرفكم، بقصص عن بطولات هي أقرب للجرائم الانسانية في أبشع صورها تحت مسمى الفتح ونشر نسختكم من الاسلام المزور.
أضاف، إن الاعتراف بالآخر وفق مبدأ المواطنة هو أساس التعايش ليس لعقيدة ولا لجنس ولا للغة ولا لقبيلة ولا لمذهب، ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة،فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبؤكم بما كنتم فيه تختلفون ) فأساس وقاعدة رسالة الرسول الخاتم هي، إن الله وحده لا يشرك في حكمه أحدا، وغيره يشرك في حكمه آخر، مبدأ اقتسام السلطات والفصل بينها فصلا تاما، الله وحده لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، مبدأ مساءلة الحاكم ومحاسبته أمام الشعب أو أمام القضاء، الله وحده فعال لما يريد ويجب الاعتراف بالمعارضة واعتبارها مؤسسة دستورية وفق مبدأ التدافع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ).
وأكد الباحث والمتدبر فى كتاب الله، أن الله وحده رب العالمين، وكل ملك أو رئيس أو قائد مؤسسة يعتبر أن البلاد ملكية خاصة له فقد إعتدى على رب العالمين في ربوبيته بالترسيخ للانفراد بالسلطة وعدم تقاسمها مع المؤسسات، فكل إنسان أو حاكم أو مسؤول يطلب الطاعة المطلقة فقد إعتدى على الله في ألوهيته، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الله، ويجب تطبيق مبدأ أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالله وحده يحكم لا معقب لحكمه، وكل سلطة قضائية أو سياسية أو دينية لا تقبل التعقيب على أحكامها فقد إعتدت على الله في قضاءه، فأي دولة أو هيئة سياسية أو حزبية مهما كان جنسها أو دينها لا تطبق هذه المبادىء وتضعها في دساتيرها تكون قد وقعت في الشرك العظيم، شرك الحاكمية( إن الشرك لظلم عظيم) ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يوسف.