بفضل تلك السياسة الإنسانية، أصبحت دولة الإمارات محط اهتمام واحترام مختلف الشعوب، وأصبحت أفئدة الناس تهوي إليها لتنعم بدفئها وعبق تقاليدها. وقد أضحى هذا النهج الإنساني سمة بارزة للسياسة الخارجية للدولة. فعندما تصاعدت موجات التطرف من الشرق والغرب في العقدين الماضيين، على خلفية تنامي التنظيمات المتطرفة، كانت دولة الإمارات تمثل نهج الوسطية والاعتدال. ليس هذا فحسب؛ بل نشطت الدبلوماسية الإماراتية لترسيخ هذا المفهوم من خلال تشكيل تحالف عالمي يجسد التآخي والتواد بين البشر من منطلق أن الإنسان أخو الإنسان، والاختلاف في اللغة أو الدين أو العرق أو اللون. ولذلك فإن التلاقي بين البشر أمر حتمي، والاختلافات بينهم هي عوامل إثراء للثقافة الإنسانية، وليس العكس على الإطلاق.
وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقة في الدعوة إلى نبذ الاختلاف وزيادة الوعي بالثقافات والأديان أو المعتقدات المختلفة، وكذلك التثقيف في مجال تعزيز التسامح والتنوع الثقافي. وكرّس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جهوده لتعزيز أواصر الأخوة الإنسانية من خلال استقبال سموه قداسة البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، في أبوظبي عام 2019، وكانت تلك الزيارة علامة فارقة في سياق العلاقة بين الشرق والغرب، حيث وجد قداسة البابا من المضيفين الإماراتيين الكثير من الودّ والترحاب.
وقد عُقِدَ لقاء تاريخي مع فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتم خلاله إعلان وثيقة الأخوة الإنسانية، وقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة في حينها: هذه الزيارة تشكل حجر أساس في تنمية العلاقات الإنسانية، والتحاور بين الشعوب والثقافات، كلنا شركاء في تعزيز قيم التسامح والمحبة والتفاؤل والأمل بين شعوب العالم.
وفي عام 2020، أُنشِئت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، التي تتألف من زعماء دينيين دوليين، وعلماء وقادة ثقافيين مكلفين بتنفيذ الأهداف العالمية لوثيقة الأخوة الإنسانية، ومن أولى مبادرات اللجنة إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية. وتحت قيادة دولة الإمارات، اعتمدت الجمعية العامة القرار رقم 75/200 المعنون «اليوم العالمي للإخوة الإنسانية» والذي قررت بموجبه إعلان 4 فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى مواصلة تعزيز ثقافة السلام للمساعدة على ضمان إحلال السلام، وتحقيق التنمية المستدامة.
كم يحتاج العالم اليوم إلى التمسك بوثيقة الأخوة الإنسانية في ظل تصاعد وتيرة الصراع بين الدول العظمى، واندفاع تلك الدول نحو حرب عبثية جديدة سيكون المنتصر فيها خاسراً، ولن تؤدي سوى إلى نشر الدمار والقتل، وقد كانت الحرب العالمية الثانية أوضح مثال على ذلك؛ حيث أدت إلى تدمير ومعاناة الدول التي شاركت فيها. لقد استمرت المعاناة عقوداً طويلة حتى تعافت الدول من آثار تلك الحرب، لكن بقيت معاناة من فقدوا أحبتهم وأهلهم وذويهم عقودًا أطول.
إن ما ترجوه دولة الإمارات من وراء ذلك ألّا تتكرر المأساة اليوم، فيصحو المأخوذون بعقلية التفوق والغلبة، وأن يدركوا أن قدر البشر هو التلاقي والتعاون، وأن صيغة الانفتاح التي سادت منذ انتهاء الحرب الباردة هي أفضل طريق لتعضيد الأخوة الإنسانية والسلام العالمي، بحيث يستمر التعاون بين قلب العالم وأطرافه من أجل هدف واحد هو تحقيق الأمن والاستقرار في كل مكان، فهل يعي هؤلاء رسالة الإمارات، وينصتون إلى صوت الحكمة مجسداً في دعوة رئيس الدولة صاحب القلب العطوف والأيدي البيضاء، لتغليب روح الإخاء والإنسانية.
نقلا عن الخليج .