أقل من شهر، ويمر عام على الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث اهتزت خلاله الأرض، ليس في أوكرانيا وحدها، ولكن في مختلف أنحاء الكون، زاد خلاله عدد القتلى والمشردين والمهاجرين، وتخلخل الاستقرار العالمي، وركد الاقتصاد، واشتعلت نار الأسعار، وارتفع عدد الجوعى العاجزين عن تدبير لقمة العيش، وأصبح «السلام الدولي» مصطلحاً بلا معنى، يتردد على ألسنة السياسيين لتخدير الرأي العام العالمي فقط، وكلما لاح في الأفق أمل في وضع حد لهذه المأساة الإنسانية، تبدد سريعاً وقعقعت الأسلحة لتدمّر وتخرّب وتقتل.
وكلما أعلن مسؤول من هذا الطرف أو ذاك الاستعداد للتفاوض، أخرست صوتَه تصريحاتُ الكثير من المسؤولين الداعمة لاستمرار الحرب، والداعية لتزويد الطرف الأوكراني بالمزيد من الأسلحة، لنجد أن من يسكبون الزيت على النار لتزيدها اشتعالاً حتى تحرق الجميع أضعاف من يدعون لإطفائها، الخائفين من أن تتسع وتكبر وتمتد على مساحة الكون.
الإعلام العالمي والسياسيون الغربيون مازالوا يصفون الحرب الدائرة على أرض أوكرانيا بأنها حرب روسية أوكرانية، والإعلام الروسي والساسة الروسيون مازالوا يقولون عنها «عملية خاصة»، وكلا الطرفين يتعامل مع الرأي العام العالمي على أنه ساذج، يقبل بما يقولون، وكلاهما لا يدرك أنها حرب غربية روسية مرشحة لأن تتحول إلى حرب كونية مدمرة، إن لم يعُدْ أصحاب القرار إلى رشدهم.
يقولون إن حلف الناتو لن يتدخل إلا إذا تدخلت روسيا بدول الحلف، وكأن البشرية كلها لا تدرك أن الناتو شريك أساسي في إدارتها واستمرارها. يقولون، إن أمريكا تدعم أوكرانيا فقط، وكأن العالم لا يدرك أن أمريكا هي صاحبة القرار الأول في طول أمدها، وأن استمرارها إرادة أمريكية أكثر من كونها إرادة أوكرانية، وأن الإدارة الأمريكية منخرطة فيها بكل مؤسساتها، من البيت الأبيض إلى الكونغرس إلى وزارة الخارجية إلى وزارة الدفاع إلى المخابرات الأمريكية إلى الإعلام، وكذلك الشارع الذي نجح الإعلام في إقناعه بأن إضعاف روسيا من عوامل بقاء عظمة أمريكا وقيادتها للعالم.
والأسلحة التي لم يتم تجربتها في هذه الحرب سيتم استخدامها في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد أن اجتمع وزراء دفاع ورؤساء أركان 50 دولة وقرروا المزيد من الدعم لأوكرانيا، ومدّها بالأسلحة الثقيلة جداً، مثل دبابات «ليوبارد» الألمانية، و«تشالينجر» الأمريكية، وغيرها من الأسلحة المتطورة، وهو ما يمكن أن يدفع القيادة الأوكرانية لتوسيع الحرب ونقلها إلى روسيا بحثاً عن مجد سياسي، وسيقلب ذلك قواعد المعركة، ويدفع روسيا لاستخدام كل ما لديها من سلاح؛ للدفاع عن وجودها، بما في ذلك السلاح النووي.
أوكرانيا لا تقاتل وحدها، ولكنَّ معها الخمسين دولة في حلف الناتو وغيره، اجتمع وزراء دفاعها ورؤساء أركانها في قاعدة رامشتاين الجوية الألمانية قبل أيام لتصعيد الحرب وتوسيع رقعتها..
الحماس الغربي لاستمرار الحرب تجاوز أصحاب القرار، ولعل زيارة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق إلى ثكنة للجيش الأوكراني وارتداءه ملابس الجنود هناك، وحمله السلاح، هي أكبر دعم رمزي من رجل خرج عن السلطة ولكنه احتفظ برغبته في تدمير روسيا، بصرف النظر عما في ذلك من تجاوز في حق الحكومة البريطانية الحالية، ناهيك عن أن كييف أصبحت قبلة لوزراء ورؤساء أجهزة مخابرات غربية للدعم والدفع باتجاه مواصلة استنزاف روسيا.
الحرب الحالية لا تستنزف روسيا وحدها، ولكنها أيضاً تستنزف أمريكا وأوروبا والعالم، وعند أصحاب القرار ليس مهماً أن ينهار الاقتصاد العالمي، إنما الأهم هو تدمير كل من يجرؤ على تحدي إرادة أمريكا وحلفائها.
نقلا عن الخليج .