السودان هو العمق الاستراتيجى لمصر من الجنوب فى حدود تصل إلى ١٢٥٠ كم . السودان ومصر علاقة تاريخية تضرب فى أعماق التاريخ البعيد ويربطهما شريان الحياة “نهر النيل”. مصر والسودان كانا يومًا دولة واحدة يرأسها ملك واحد.
ما يحدث فى مصر أو فى السودان لابد أن يكون تأثيره المباشر وغير المباشر على كلا البلدين. وهذا قليل من كثير. ولذا فالصراع السياسى والاشتباكات العسكرية بين الجيش السودانى وبين قوات الدعم السريع لن تكون نتائجه السلبية والوخيمة على السودان فحسب ولكن لابد أن تحدث تأثيرات هنا وهناك على مصر. فهل هناك من يستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا الصراع من دول العالم؟ لا شك فإن مثل هذه الصراعات التى تحدث ليس فى السودان فقط ولكن فى كثير من البلدان العربية بعد أحداث ما سمى بالربيع العربى تتم ليس بعيدا عن ترتيبات ومساعدات عن طريق المخابرات هنا هناك لتحقيق أهداف ومصالح لهذه الدولة او تلك الدولة . فاثيوبيا تربطها علاقات ملتبسة مع السودان خاصة مع الميلشيات القبلية مثل ميلشيات “الجنجويد” التى استعملها البشير فى المواجهات القبلية والعسكرية فى دارفورد، والتى اقترفت فيها تلك الميليشيات أعمال عنف ما زالت أحكام محكمة العدل الدولية سارية المفعول حتى الآن. تلك الميليشيات هى التى حولها البشير إلى قوات الدعم السريع لحماية نظامه من انقلابات الجيش. ونذكر هنا فبعد إسقاط حكم البشير تم اختلاف بين الجيش وبين القوى السياسية والحزبية المدنية على المدة التى يترك فيها الجيش الأمر للقوى المدنية. فكان أبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، هو الحصان الرابح الذى توسط بين الأطراف للتهدئة نظرًا لتلك العلاقات. وهنا وفى ظل القضية الحياتية لمصر والسودان الممثلة فى سد النهضة وجدنا ومنذ أشهر قليلة أن هناك تصريحات سودانية تقول إنه لا توجد مشاكل بين السودان وإثيوبيا بسبب سد النهضة!!! كما أن هناك دولة عربية لها أسهم ومصالح فى إنشاء سد النهضة تتوافق مع قوات الدعم السريع!!! ولماذا نذهب بكم بعيدا فمن مصلحة إثيوبيا أن تظل الأمور فى السودان فى حالة دائمة من عدم الاستقرار حتى تضمن التفرد بمصر فى قضية سد النهضة. ودور إثيوبيا فى عدم الاستقرار فى السودان كان بعد يومين من تلك الاشتباكات وقد تمثل فى تحرك عسكرى إثيوبى لمعاودة احتلال منطقة الشفقة السودانية وذلك لتشتيت الجيش لصالح قوات الدعم السريع.
فهل لا توجد هنا مصلحة إثيوبية؟ أما دولة الاحتلال الإسرائيلى فالجميع شاهد كيف كانت الضغوط الأمريكية على السودان لكى تشارك فيما سمى بالاتفاق الإبراهيمى بين السودان وبين إسرائيل مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان وشطب السودان كدولة إرهابية! لذا وجدنا تصريحات إسىرائيلية تقول إن هناك اتصالات اسرائيلية مع الجانبين المتصارعين فى السودان!.
ناهيك عن المصالح المتعددة التى ينظر ويسعى إليها الجميع نظرًا لوجود كميات من الذهب والمعادن .
ولذا فهذه المصالح المبتغاة فى السودان تعنى تدخلات أجنبية فى العمق الاستراتيجى المصرى الشىء الذى يمثل عبأ وخطورة لا يجب التقليل منها.
ناهيك عن وجود تيارات وأيديولوجيات متطرفة وإرهابية فى السودان والأخطر أن تنظيمي القاعدة وداعش قد أصبحت لهما قواعد فى كثير من الدول الإفريقية القريبة، مما يمثل عبئًا عسكريًا وسياسيًا على مصر .
لذلك كان القرار المصرى حكيمًا فى عدم التدخل العسكرى لإنقاذ أفراد القوات المصرية فى السودان بعد تلك الرسالة التى بعثت بها قوات الدعم السريع.
هنا لا بد من دور مصري، وطوال الوقت وفى كل الاتجاهات حتى نحافظ على هذه العلاقة التاريخية والاستراتيجية. كما أنه على القوى السياسية والحزبية فى السودان أن تعلى من المصلحة الوطنية السودانية بعيدًا عن الصراعات على مكاسب غير موجودة، ما يضع العمل السياسى والشعبى فى وضع لا يستطيع فيه الإنجاز والتغيير السياسى، فتظل الأوضاع والصراعات قائمة، وتكون النتيجة ليست فى صالح الشعب ولا فى صالح الوطن. حمى الله الشعوب العربية وأرشدها للعمل الصالح من أجل الأوطان.