مع اقتراب شهر رمضان الكريم، يتجدد الحديث حول فرضية وأهمية الزكاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام وتعد الزكاة من الصدقة، فهي تزيد من التكافل والتراحم في المجتمع، فقد جعل الله تعالى الزكاة لمنفعة المسلمين جميعًا، وتزيد الزكاة من المحبة والرحمة في قلوب المسلمين، وتحسن الأوضاع المالية للفقراء والمحتاجين وتساعدهم على تلبية أهم احتياجاتهم المعيشية.
المفكر العربي على محمد الشرفاء، كتب فى هذا الإطار، تحت عنوان ” الزكاة صمام أمان الأوطان ” في كتابه ” الزكاة .. صدقة وقرض حسن “، أن الزكاة ليس لها وقت محدد فى العام لاخراجها، وانما ينبغى على المسلم اخراجها فى أى وقت طوال العام كلما اغتنم.
أضاف، لم تكن فريضة الزكاة التي شرعها الله في كتابه العزيز إلا منطقة التقاء بين الأغنياء والفقراء، فيه عقد شراكة بين الفقير والغني، فيه يعطي من منحه الله المال لمن هو في أشد الحاجة إليه، على إعتبار أن هذا المال هو مال الله، وقد جعل الله الأغنياء وسائط ووسائل توصيله لمستحقيه، كما في قوله تعالي: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ …﴾ (النور: ۳۳) .
واضاف الشرفاء أن الله تعالي قال : ( وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه ﴾ (الحديد: ٧).
فالزكاة في الخطاب الإلهي من هذا المدخل تكون طوقا للنجاة من الفقر، حين يُعطي من معه لمن ليس عنده ما تقوم به حياته وتستقر، حين تكون الزكاة هي القاعدة الصلبة لقيام المجتمع القوي المتعافي من أمراض الحقد والتحاسد والضغينة، فتسوده روح التكافل والتعاضد والتلاحم بين أفراده.
وأشار المفكر العربى على محمد الشرفاء الى أن الزكاة لم تكن فريضة خصيصة أو حصرية لرسالة الإسلام فحسب، بل إن الزكاة كانت فريضة رئيسية أيضًا فيما قبل رسالة الإسلام، كونها الضمانة الهامة والمحورية في بقاء الأمم سالمة آمنة متعافية من داء الفقر والعوز والضعف، كما أشارت الآيات في شأن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عابدين﴾ َ (الأنبياء: ٢٣).
وفي ذات السياق اكمل الكاتب حدثيه “بيد أن الخطاب الإلهي في القرآن أضاف بعدا هاما وملمحا رئيسيا في مقاصد الزكاة عند المسلمين، إذ جعل من الزكاة المدخل الآمن للحفاظ على الأوطان، حين يقوم المسلمون بتأديتها على وجهها الصحيح لا المغلوط المشوه المغرض، ما يؤدي إلى نهوض المجتمعات واختفاء ظاهرتي الفقر والحرمان.
وأوضح الكاتب أن “من سوء طالعنا وما ابتلينا به من فقه وفقهاء صرفوا الأمة عن وجهتها في هذا الصدد، حين جعلوا نصاب الزكاة على النحو الذي فيه الزكاة كفريضة لا تقوم بما أراده الله لها أن تقوم به في إشاعة روح التكافل الاجتماعي، حين قرروا نسبة للزكاة 2.5% وجعلوها مقدسة لا مساس بها، وهي في الأصل نسبة غير صحيحة ولا هي عادلة، بل وليست تلك النسبة بالتي تؤدي الغرض المرجو من تلك الفريضة الإلهية.
كما أكد المفكر على محمد الشرفاء على أن الزكاة شراكة بين الفقير والغني للحفاظ على الأوطان، ونسبة 2.5 غير صحيحة، ذلك أن الزكاة ليست قضية معايير ونسب مالية أو كميات عينية، وإنما الزكاة جعلها الله فرضا على كل مسلم لتحقيق الأمن الاجتماعي والاكتفاء الذاتي داخل المجتمعات لسد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، حيث يترتب على ذلك قيام مجتمع سالم لا جائع فيه ولا سائل، ولا مريض لا يجد الدواء.
وأوضح الكاتب أن الزكاة تأتي هنا لتزكية مال الغني المقتدر وتطهره، فيبارك الله له فيه ويضاعف له ما أنفق من صافي أرباحه ومكاسبه حسب النسبة المقررة في التشريع الإلهي وهي 20% تمشيا مع قوله تعالى ﴿واعلموا أَنَّمَا غنمتم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لله خمُسَه وَللرَّسُولِ وَلِذِي الْقُربى واليتامى والمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءامنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يومَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمَعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ ﴾ (الأنفال: ٤١ ) وتلك النسبة التي قررها التشريع الإلهي يتم استقطاعها وانفاقها لصالح الزكاة، الصدقة، تمشيا مع قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ (البقرة: ٢٦٧) .
الدكتور أحمد كريمة استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، قال أن الزكاة لها فوائد قيمة تعود بالنفع والفائدة على الفرد والمجتمع وحين يخرج المسلم الزكاة قد أدى الركن الثالث من أركان الإسلام التي لا يصح إسلامه إلا بها لأنها تقرب بين العبد وربه وتزيد من إيمانه، وقال تعالى “يمحق الله الربا ويربي الصدقات” لأن الزكاة صدقة مفروضة يمحو بها الله تعالى الذنوب والمعاصي والخطايا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار” .
وتابع ” الزكاة تنمي في نفس المسلم الكرم والسخاء والسماحة كما تزرع في نفسه الرحمة والعطف على غيره من المسلمين وتطهر نفس الإنسان من الأخلاق الدنيئة كالبخل والشح وسبب لدخول الجنة” .
وأكد استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن للزكاة ثماني مصارف في القرأن الكريم وهم كما يقول عز وجل في سورة التوبة ” إنمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ”، لافتا الى أن تأدية الزكاة والصدقة بشكل خاص في شهر رمضان الكريم لها فضل عظيم، والله سبحانه وتعالى يعتق الناس في الجمع بين الصدقة والصيام، وتعد من أسباب دخول أعلى درجات الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” إن في الجنة غرفا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها قالوا لمن هي يا رسول الله؟ قال لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى بالليل والناس نيام” .
فيما قالت الدكتورة سعاد صالح عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر سابقا، ردا على مقال المفكر العربي على محمد الشرفاء حول نسبة الزكاة وأنها تقدر بـ 20٪ طبقا للنص القرآني( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أن تحديد نسبة الزكاة ب 2.5٪ ليست لها نص قرآنى أو أصل فى السنة النبوية وإنما حددها وأجمع عليها الفقهاء.
أضافت د. سعاد صالح أن الآية الكريمة التى جاءت فى القرآن حول توزيع الخمس أى 20٪ من الغنيمة لليتامى وذى القربى وابن السبيل ، لا علاقة لها بالزكاة، لافتة إلى أن زكاة الزروع الخاص بالمحاصيل الزراعية بينته السنة النبوية، اما المفتون بأن الزكاة 20% فهم يريدون التيسير على المسلمين، مؤكدة أن السُنة تكمل رسالة الإسلام.
وقال الدكتور محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الزكاة ركن أساسي من أركان الإسلام الخمس وفرضها الله على المسلمين لنفعهم لبعض، مشيرا إلى أن من يمتنع عن الزكاة و ينكرها فهو كافر، ومن لم يخرج زكاته فعلى الدولة محاسبته بالقوة حتى يدفعها، مستشهدا بواقعة مع سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال ” ” “سأقاتل من يمتنع عن دفع الزكاة”
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن مصارف الزكاة ثمانية كما حددها الله عز وجل في قوله تعالى ” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” ومن فضائل الزكاة أنها ستكون سبب من أسباب دخول الجنة وتؤدي الزكاة إلى أن يكون المجتمع متماسكا يرحم قويّه ضعيفه وتنجي من حر يوم القيامة وتزيح عن دافعيها فى أوقاتها مصائب الدنيا.
وأكد مهنى أن زكاة المال 2.5 % كما وردت في السنة النبوية، وزكاة الزروع عشر أو نصف العشر حسب الري، مؤكدا أن من يستند إلى الآية الكريمة فى القرآن أن الزكاة 20 % أى الخمس، فالمقصود بها غنائم الحروب وليست زكاة المال .