طرح د. عبد السلام طالب المفكر الاسلامى السورى، سؤالا حول متى يصبحُ الجهادُ محرَّماً ؟.
وقال طالب بما أن الجهاد فرضٌ كسائر الفروض له أسبابه وشروطه وموانعه حسب قواعد الأصوليين فكلُ جهادٍ لا تتحقق شروطه ولا تثبت أسبابهُ ولا تنتفي موانعهُ فهذا جهادٌ محرَّم وكل نفسٍ زُهقت فيه سيسأل عنها من أمر بهذا الجهاد، وهنا لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق وخاصة في الدماء، فيتوجب على المجاهدين ألا يمتثلوا لقادتهم لو تيقنوا أن جهادهم لا يجوز وإلا وقعت المسؤولية عليهم .
وتابع ” سيقول البعض أنت أول من جاء بمصطلح تحريم الجهاد، وأقول : أليس الجهاد فرضاً كالصيام ؟
«عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهم أن رسول الله ﷺ نهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.» قال النووي: «وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك.
هنا نجد الامام النووي يذكر تحريم الصيام في أوقاتٍ معينة وكذا قال الشيخ ابن باز مثلاً عن تحريم الصلاة قال : تحرم الصلاة في أوقات النهي صلاة النافلة، التي ليس لها أسباب بعد طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس، إلا سنة الفجر ….” وأمثلة كثيرة” .
أضاف أن ابن باز سُئل عن الفرق بين قولنا محرم أو غير جائز فقال : ” لا فرق بينهما، لا يجوز، أو حرام، كله معناه واحد، لا يجوز أو منكر أو حرام المعنى متقارب واحد.
وأشار المفكر الاسلامى السورى إلى تحريم الجهاد وقتل النفس التي حرم الله في الاقتحامات، سواء كان في جهاد الطلب الغير جائز أو في العمليات الاستشهادية : قال تعالى : ” وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ” ، موضحا أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أنه لا يجوز الجهاد في هذه الحالات حتى لا يتسبب في قتل مسلم في عمليات الاقتحام او العمليات الاستشهادية كما لو أن رجلاً فجر حافلة وربما يكون فيها رجل مسلم واحد وهو لا يعلم فعمله حرام .
وقال طالب أن في هذه الآية يقول ربنا عز وجل لولا وجود بعض المؤمنين في مكة ربما تؤذوهم أو يؤدي اقتحامكم الى قتلهم لأمرناكم بالاقتحام ولو أن المسلمين هؤلاء تميزوا عن الكفار لأمرناكم بغزوهم واقتحامهم والإثخان فيهم قتلاً ولكن أمرناك يا محمد ﷺ بعدم الاقتحام حتى لا تقتلوا نفساً محرمةً ولا تتسببوا بقتلها وحتى لا تصيبكم بفعلتكم هذه لو أنكم صادفتم قتل اخوانكم ( معرة ) أي سوء مقالة واثم كبير بغير علم لأن الكفار سيقولون انظروا الى المسلمين انهم يقتلون بعضهم ولا يميزون بين الناس ( وكما يصور الغرب الاسلام ويشوهون صورته بسبب فعل بعض الخوارج والحمقى والجهلة ممن لا يعلمون شريعة ربهم ) .
وأيضا يا محمد ﷺ لم نأمرك بسحقهم قتلاً حتى نخرج من أصلابهم من يوحد الله ويدخل بعضهم في الاسلام فيكون ذلك نصراً مؤزراً للمؤمنين وكما هو معلوم أن عدد المسلمين كانوا داخل مكة لا يتجاوز عددهم العشرة من بين سكان مكة وهم أربعة آلاف نسمة من قريش .
لم يأذن الله لرسوله دخول مكة لأن فيها نفوس مؤمنة أخفوا ايمانهم ولا يعلمهم المسلمون وفي حال دخلوا مكة واقتحموها ربما يقع القتل على هؤلاء فيصيب المؤمنين من فعلهم معرة بغير علم أي إثم قتل النفس المحرم وهذا أمره عظيم عند الله فأخر لهم فتح مكة حتى يتمايزوا وحتى لا تقتل نفس مؤمنة بفعل المجاهدين .
وتابع ” قال ابن عاشور في التحرير والتنوير :
والمعرة: مصدر ميمي من عَرّه، إذا دهاه، أي أصابه بما يكرهه ويشق عليه من ضر أو غرم أو سوء قالة ، فهي هنا تجمع ما يلحقهم من دِيَات قتْلَى، وغُرم أضرار، ومن إثم يلحق القاتلين إذا لم يتثبَّتوا فيمن يقتلونه، ومن سوء قالة يقولها المشركون ويشيعونها في القبائل أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينج أهل دينهم من ضرهم لِيُكَرِّهُوا العرب في الإسلام وأهله” .
وتطرق د. عبد السلام طالب إلى تحريم الجهاد في حال تيقن الهزيمة : وفي حال مجاهدة الكفار وإعلان الجهاد لا بد من استصحاب مآلات الأفعال فإن غلب على الظن أنها لن تؤدي الى نكاية في العدو وصار عندنا غلبة ظن بالهزيمة لأسباب كثيرة وأهما عدم تكافؤ الطرفين بالعدة والعتاد بحيث ستؤدي الى فتك وقتل وسحق بالمؤمنين الأبرياء والمدنيين فيجب التوقف عن هذا الجهاد الى وقت آخر بحيث يتم حفظ المهج والأرواح وتقليل الدمار وفي مثل هذه الحالات يجب ألا يفتى بالجهاد ولا يحرض عليه وهذا طبعاً في جهاد الفتح ( الطلب ).
أضاف أنه لا يجوز الجهاد حتى في حال أحدث نكاية بالعدو وتحقق بعض الردع من الجهاد لكن تدافع بمفسدة كبرى من دمار شامل للدولة بسبب قوة العدو وبطشه وكثرة مواليه ومناصريه ، أو أمعن في قتل الأبرياء وإزهاق المهج من قبل العدو بحيث تكون المفسدة راجحة هنا يجتمع أهل الحل والعقد والفتوى من علماء الامة ويوازنون بين المصالح والمفاسد فإن رجحت المفسدة وتحقق وقوعها يصار الى الصلح أو المعاهدات أو الهجرة والتي فرضها الله للحفاظ على الدين والنفس والنسل والأموال وحفظ هذه الضرورات مقدم على حفظ المقدسات والأوطان، لافتا إلى قول ابن قدامة في المغني : إن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة ، والنجاة في الانصراف ، فالأولى لهم الانصراف أي التولي عن الجهاد ويجوز لمن أراد الشهادة وطلبها الثبات وعدم الانصراف.