بعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمان أدرك اليوم بعض القيادات السياسية، وكثير من المفكرين والباحثين في الشأن الإسلامي في وطننا العربي، وكذا غيرهم من مفكري المسلمين في العالم – أدركوا ضرورة البحث عن أفضل السبل إلى معرفة مقاصد رسالة الإسلام الداعية للسلام، فهي رسالته لخير البشرية جمعاء، بعدما انتشر الفكر التكفيري الذي اعتبر أن كثيرًا من المجتمعات الإسلامية تعيش في عصور الجاهلية الأولى، وقد اتخذ أتباع هذا الفكر المريض من القتل وسيلة لنشر خطاب الكراهية، وتكفير المسلمين، معتبرون أنفسهم الفئة الناجية، وأنهم أهل الحق والأوصياء على حماية الدعوة الإسلامية، وهؤلاء يستمتعون بقتل الأبرياء، ويتعاملون مع الناس بقسوة مفرطة، بما تشربوه من خلال المناهج الدينية في الجامعات والمعاهد الإسلامية من أفكار شاذة – مصدرها كتب الصحاح، وفقهاء المذاهب المختلفة عند المسلمين – فترسخت لديهم قناعة، كونت في نفوسهم عقيدتهم الباطلة، بأنهم حماة الإسلام وغيرهم كفرة وأعداء للإسلام.
لقد نصَّبوا أنفسهم حكامًا على الناس وأوصياء على عقائدهم، واعتبروا أن لهم الحق والمسؤولية في محاسبة المسلمين وغير المسلمين وتنفيذ حد الردة عليهم بقطع أعناقهم، أو بتفجيرهم بالأحزمة الناسفة بانتحاريين باعوا أنفسهم للشيطان ليسقط عشرات الأبرياء ظلمًا وعدوانًا ينشرون الخوف والفزع في المجتمعات المسالمة ويهددون استقرار الأوطان ويعطلون المجتمعات عن استكمال مسيرة التقدم والتطور من أجل خلق الفوضى وإسقاط الأنظمة لمصلحة اعداء الإسلام والطامعين في نهب ثروات العرب والمسلمين، كل هذا من أجل التشويه المتعمد للأهداف السامية لرسالة الإسلام التي أنزلها الله على رسوله لنشر الخير والرحمة والعدل والحرية والسلام لبني الإنسان في كل مكان، تلك القيم النبيلة التي تدعو للحفاظ على حياة الإنسان وحمايته وتحريم الاعتداء على جميع حقوقه، كل هذا حدث بعد ظهور فرق الغدر والاغتيال، تلك التي تدفعها نفوس شقية ومريضةٌ تمت شيطنتها بواسطة ما يسمى بالعلوم الدينية والتي تأسست بعيدا عن كتاب الله من قبل نفر ضلوا طريق القرآن وهديه من فقهاء ومفسري السوء، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة)، فهم اعتمدوا على مرجعيات باطلة من روايات إسرائيلية وأحداث مزورة، وأقوال كاذبة نسبوها زورًا لبعض الصحابة عن الرسول، من أجل ذلك أصبح استمرار هذا المنهج الإجرامي يشكل خطرا كبيراً على رسالة الإسلام وعاملا من عوامل زعزعة الاستقرار في المجتمعات العربية والإسلامية، وما لهذا من أثر في تعطيل حركة التطور الهادفة لقيام مجتمعات فاضلة، ينتشر فيها العدل والسلام والتعاون والأمن والاستقرار كما أمر الله في كتابه المبين بقوله سبحانه: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبَر وَالتَّقوى ولا تعاونوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعدوانَ ﴾ (المائدة).