تحولت الخرطوم على وقع الاشتباكات المتواصلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى ما هو أشبه بـ«مدينة أشباح»، بفعل تسارع وتيرة نزوح السكان منها جراء احتدام القتال وتدهور الأوضاع المعيشية، وغياب أي مؤشرات، على إمكانية توصل طرفيْ الأزمة، إلى وقف دائم لإطلاق النار.
فالتقديرات تشير إلى أن العاصمة المُثلثة، شهدت على مدار اليومين الماضييْن، موجات خروج جماعية تضم آلاف الأشخاص، بعدما أصبحت شوارعها، خاصة تلك القريبة من المقار السيادية الحيوية كالقصر الجمهوري ومقر قيادة القوات المسلحة، مسرحاً للمواجهات الأعنف من نوعها، بين الطرفيْن المتقاتليْن. وفي حين نزح بعض السكان على متن سيارات خاصة أو جماعية، اضطر آخرون للخروج من العاصمة سيراً على الأقدام، باتجاه المناطق التي تتراجع فيها حدة القتال ولو نسبياً، وذلك في عملية فرار، استمرت على مدار الساعة، على الرغم من الإعلان أكثر من مرة عن التوصل إلى هدنة إنسانية، تستمر كل منها 24 ساعة. وشدد كثير من النازحين، على أن استمرار القتال الحالي، يجعل الحياة في الخرطوم مستحيلة، وهو ما أكده كذلك أطباء تحدثوا لوسائل إعلام غربية، وأشاروا إلى أن الوضع يبدو أكثر سوءاً في العاصمة ومدنٍ مثل نيالا ومروي، وذلك في ظل معاناة جميع المستشفيات الكبرى هناك تقريباً، من نقص حاد في الأدوية والمياه والكهرباء والوقود والمواد الغذائية، ما أجبر طواقمها على إعادة الكثير من المرضى إلى منازلهم.
وتتفاقم هذه الأوضاع المتدهورة، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل السكر والحليب والدقيق والزيت، في جميع أنحاء السودان، واختفاء الكثير من السلع من على أرفف المتاجر، التي لا يجرؤ الكثير منها على فتح أبوابه من الأصل، وهو ما يزيد من وطأة الأزمة الإنسانية، لا سيما في ظل إقدام الوكالات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، على تعليق غالبية أنشطتها، بعدما قتل عدد من موظفي برنامج الأغذية العالمي، في الأيام الأولى للمعارك. ووسط تقارير عن وضع دول أجنبية عدة، من بينها ألمانيا واليابان، خططاً لإجلاء رعاياها من السودان خلال الأيام القليلة المقبلة، كشفت مراسلات ووثائق داخلية للأمم المتحدة، النقاب عن حجم المأزق الذي تواجهه المنظمة، فيما يتعلق بحماية موظفيها العاملين في هذا البلد، ونقلهم إلى خارجه، إذا تسنى لها ذلك. فبحسب الوثائق، شَكَلَّ اندلاع القتال في السودان «سيناريو كابوسياً مرعباً»، بالنسبة للأمم المتحدة، باغتها على حين غِرة، وعلى غير استعداد، خاصة بعدما تعرض موظفوها وممتلكات تابعة لها، لهجمات وأعمال نهب، في الخرطوم ومناطق أخرى.
ووفقاً لتقرير أممي اطلّعت عليه صحيفة «الجارديان» البريطانية، يبدو من المستحيل في الوقت الحالي، تنفيذ أي عملية إجلاء فورية لموظفي الأمم المتحدة المحاصرين بنيران المعارك، وذلك على ضوء توقف العمل في مختلف المطارات. وفي حين أدى ذلك، حسب التقرير، إلى أن يبحث المسؤولون الأمميون، اللجوء إلى خيار الإجلاء براً، بالرغم من كونه محفوفاً بالكثير من المخاطر، تسود حالة من الغضب بين موظفي الأمم المتحدة الموجودين في المناطق السودانية الأكثر خطورة، بعد أن أُبْلِغوا من جانب الإدارة العليا، بأنه يتعين عليهم أن يحددوا هم بأنفسهم، كيفية البقاء آمنين، في ظل الأوضاع الراهنة.
المصدر: جريدة الاتحاد الاماراتية