نعم..الهندوسية ديانة ليست تعددية، بل تقوم على عبادة إله واحد هو (براهمان) يسموه بالحقيقة المطلقة أو الأبدي، ويترجموه بعبارة “Satyam Jnanam Anantam Brahman” وتعني الحقيقة النقية والوعي المطلق والوجود الأبدي اللانهائي
وفي الهند لا يسمون ديانتهم “بالهندوسية” كما يطلق عليها العرب، بل يسموها “سناتانا دارما” Sanatana Dharma أي طريقة العيش الأبدية، أو الحقيقة الأبدية..
ولكي تفهم هذه الديانة فهي تنطلق من فكرة (خلود الروح) التي هي جزء من الكون، لأن الهندوسية قائمة على معتقد (وحدة الوجود) أساسا، فكيف يؤمن الهندوسي بوحدة الوجود وفي نفس الوقت بالتعددية الإلهية؟..هذا يعني أن فهمنا للإله مختلف عن فهم الهندوس لإلههم، فنحن نظن أن وجود عدة آلهة مختلفة في الطبيعة يعني أنها منفصلة عند المعتقدين بها وهذا غير صحيح، وكان مصدرا لتكفير المسيحيين في الفكر الإسلامي، لأن آلهة الهندوس التي ترونها (شيفا وفشنو وبراهما) هي جزء من براهمان أساسا، وخلقهم تبعا له
برهمان هو إله الهندوسية الأوحد، وحياة المتدين هناك كلها تهدف (للاتصال به) فهم يدعون ويتقربون لآلهة الهند الشهيرة ليس بغرض عبادتها أو فهم أنها منفصلة مستقلة، ولكن لكونها جزء من براهمان، فلا يمكن الاتصال ببراهمان إلا عن طريقها..
إذا أردت معرفة الهندوسية فلا تعرفها من خصومها ، وبالخصوص من العرب لأن معرفتهم بالديانات الأخرى ضئيلة جدا، بل اقرأ ترجمات “الفيدا” وخصوصا “الأوبنشاد” الذي هو جزء من الفيدا، وفي السنوات الأخيرة نجح أحد المترجمين العرب وهو “عبدالسلام زيان” في ترجمة الأوبنشاد للعربية، وقد قرأته منذ فترة ووصلت لقناعة أن الهندي في صلواته يخاطب (ربا واحدا) وليس مجموعة آلهة كما نظن..
كتاب الهندوس المقدس هو “الفيدا” ويعني (المعرفة) وبه عدة أجزاء منها الأوبنشاد الذي يعني الصلاة الخاشعة أو احترام المعلم والكبير، فالهنود يقدسون المعلم والكبير للغاية ولديهم احترام رائع جدا لكبار السن ومعلميهم ورهبانهم لهذا السبب
إذا فهمت هذا تعرف مباشرة أن الهندوسي لا ينظر للكون كما ينظر السلفي أو المسلم والمسيحي التقليدي، فهو يرى الكل – بمن فيهم غير الهنود – جزء من معرفة الفيدا ومتصلين ماديا ببراهمان، فهم مثله تماما كائنات لها اتصال مادي وروحي بالخالق الأبدي، ولديهم قدرة للوصول إلى الحقيقة الأبدية “الدارما” إذا فعلوا الأخلاق والعمل الصالح الذي أمر به الهندوس، فالمعيار ليس مسلم وهذا هندوسي ولكن (هذا شرير وهذا صالح)
ولا يعني ذلك أن الهندوس ملائكة بل منهم أشرار كأي دين في العالم، وسبق أن حرقوا آلاف النساء الأرامل بعد موت أزواجهن في طقس “الساتي” ، وقتلوا الآلاف باسم الدارما أيضا، فالعنف والتطرف الديني ليس لهما دين، فهو مجرد غريزة عدوانية تتملك البشر وقت الغضب وتفسير النص الديني بشكل عدواني ليتلائم مع غرائزهم المكبوتة، حتى أن غاندي الزعيم الديني قتل على أيدي المتطرفين الهندوس لأنه في نظرهم خالف الدارما وتسامح مع المسلمين الذين انفصلوا عن الهند وشكلوا دولة “باكستان”
لكن بالعموم فالهندوس من أكثر شعوب الأرض سلاما، ولم يغزو دولا أخرى باسم الدين ولم يفتحوا أو يأسروا شعوبا أخرى باسم براهمان، لذلك عاشوا مع المسلمين بسلام على مر قرون طويلة، ويكفي أن مسلمي الهند تجد منهم الزعماء والفنانين – شاروخان وسلمان خان وعامر خان نموذج – والرياضيين، لكن في المقابل في باكستان ذات الأغلبية المسلمة والتي انفصلت عنها يوجد اضطهاد للهندوس ولا يسمح لهم بممارسة السياسة