وجه المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي تحذيرا للعرب والمسلمين، مؤكدا أن اكثر الدول العربية شعوبها تنتمي إلى الإسلام، والإسلام عقيدة وفرائض وشريعة ومنهاج، وشروط المسلم المؤمن الحق طاعة الله فيما بلغه الرسول عليه السلام عن ربه، ويُعرف المسلم الحق بسلوكه وأعماله ومعاملاته مع الناس. ومن أهمها، أمر الله سبحانه للمسلمين بقوله (وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ )، وأمر الله سبحانه (وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ )، وأمر الله سبحانه (وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ) موضحا أن تلك أوامر الله للمسلمين، وطاعة الله مُلزمة وواجب تنفيذها على كل مسلم، ومن يخالف أوامره فقد عصى الله وأخلّ عهده في إسلامه.
المفكر على الشرفاء أكد فى تحذيره للعرب والمسلمين أنه إذا لم يتم تطبيق الآيات المذكورة في العلاقات بين الدول العربية واعتبارها دستورا مقدساً يطبقونه في علاقاتهم مع أشقائهم، فقد هجروا القرآن وتخلوا عن شرعة الله ومنهاجه، لذلك يجب أن تكون أوامر الله المذكورة أعلاه العناصر المؤسسة للعلاقات العربية توضع عنوانا ملزمًا لكل القيادات العربية في ميثاق الجامعة العربية إن كانوا مسلمين حقاً وصادقين مع الله في طاعته التي ستحقق لهم الأمن والأمان والعزة والوحدة وصد العدوان والحفاظ على حماية الأوطان وضمانة لحقوق الإنسان، ومواجهة البغي والظلم والطغيان، وإلا فليستعدوا للحساب يوم القيامة فلن تنفعهم أنانيتهم ولن تذود عنهم مصالحهم الشخصية ولن يحميهم من العقاب سلطاتهم الدستورية يوم الحساب.
وتساءل «الشرفاء» هل التزم المسلمون بما أمرهم الله وبلغهم رسوله عليه السلام ليحققوا السلام والأمن في مجتمعاتهم ومواجهة اعدائهم بوحدة متراصة وقلوب مؤمنة نذرت أرواحها للذود عن أوطانها وحماية قيمها الالهية التي تنشر السلام للناس جميعاً؟ لماذا تم إغفال الأوامر الالهية وتم إختطاف رسالة الإسلام وإغتيال أهدافها السامية؟
ألا يعتبر كل من يخالف تلك الأوامر الالهية التي وردت فقط في ثلاث آيات عاصيا لله وأنه لم يلتزم بعهده مع الله؟ ولو اتبع ما امرهم الله (حكاما ومحكوما) لما حدثت المآسي في العالم الإسلامي منذ وفاة الرسول عليه السلام الى اليوم ؟
وهل من نقض عهده مع الله يمكن الاعتماد عليه والثقة به في المعاملات
والعلاقات السياسية والدفاع المشترك عن القضايا العربية؟
يستكمل «الشرفاء» ” وليعلم الجميع أن أجل الإنسان يحوم حوله، لن تمنعه الجيوش ولا أجهزة الأمن ولا الأموال، كلٌ سيأتيه يوما يقضي الله فيه أمره وينقضي أجله في أي لحظة، كما قال سبحانه وتعالي {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ} فلا يستخف الحكام بقضاء الله ولا تلهيهم تجارة ولا متعة ولا ترف ولا قوة عن أمر الله ولينظروا إلى التاريخ القريب كم من جبار قسمه الله حين جاءه أجله، وكم طاغية إنهارت قواه وأصبح يستجدي العون على قضاء حاجته، وكم ظالم ظن أنه خالداً فأتاه أجله في لحظة لم يحسب لها حساباً، وكم ذكرت آيات الذكر الحكيم من العبر، وكم سقطت عروش وإمبراطوريات تحت أنقاض الحجر، وكم بادت حضارات على مر الزمن، فلا مفر من الله”.
ويتساءل المفكر العربى على محمد الشرفاء، هل أدرك الإنسان العبر؟ وهل استعد ليوم لن ينفعه غير اتباعه قول ربه في آياته وما ذكر حتى الرسل والأنبياء مآلهم يوم يقضي الله فيه ما أمر وحين ينظر الناس في يوم الحساب بحسرة لا يملكون من أمرهم شيئا إلا انتظار القدر وتسألهم الملائكة الغلاظ الشداد حينها كما وصف الله في قوله لهم ( أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ،، قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًۭا ضَآلِّينَ ) المؤمنون(١٠٥/١٠٦) .
فى سياق متصل، فسر الشيخ محمد متولى الشعراوي الآية القرآنية {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)} أن طاعة الله تعالى تتمثل في تنفيذ ما أمر به في المنهج، وطاعة الرسول هي طاعة تطبيقية في السلوك، وهي طاعة لله أيضاً؛ لأن الرسول مبلغ عن ربه، ولابد للطائع أن يتعبد عن التنازع مع إخوته المؤمنين؛ لأن التنازع هو تعاند القوي، أي توجد قوة تعاند قوة أخرى، والقوى المتعاندة تهدر طاقة بعضها البعض، فالتعاند بين قوتين يهدر طاقة كل منهما فتصبح كل قوة ضعيفة وغير مؤثرة. فكونوا يداً واحدة؛ لأنكم إن تنازعتم فستضيع قوتكم وتقابلون الفشل، أي لن تحققوا شيئاً مما تريدون لأنكم أهدرتم قوتكم في التنازع، ولم تعد لكم قوة تحققون بها ما تريدون وستذهب ريحكم في هذه الحالة، موضحا أن الفشل هو إخفاق الإنسان دون المهمة التي كان يرجوها من نفسه.
وتابع الشيخ متولي الشعراوي فى تفسيره، انظروا إلى عبارة الحق تبارك وتعالى: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]،
نحن نعرف أن الريح يُطلق على الهواء الذي حيزه الفضاء على سطح الأرض، إذن فمكان الهواء هو أي مكان خال على سطح الأرض، ولذلك نجد العمود المكون من الأسمنت والحديد مثلاً، لا يوجد فيه هواء لأنه لا يوجد فيه فراغ، أما الفواصل التي بين الأعمدة فيوجد فيها هواء لأن فيها فراغاً، ونعلم أن مقومات الحياة طعام وشراب وهواء، ولكن الهواء هو المقوم الأول للحياة، لأنك لا تستطيع أن تصبر على الهواء مقدار شهيق وزفير،
إذن فالهواء هو المقوم الأول لحياتك وحياة كل من في هذا الكون، وما دام الهواء محيطاً بالشيء بحيث يتساوى الضغط من جميع نواحيه يكون الشيء ثابتاً، فإذا فرّغت الهواء من ناحية قام ضغط الهواء بتحطيم هذا الشيء، وفي التجارب المدرسية شاهدنا تأثير ضغط الهواء، وكانوا يأتوننا بصفيحة وضع فيها ماء ويتركونها تغلي على النار، فيطرد بخار الماء الهواء الموجود في الجزء الفارغ من الصفيحة ليملأ البخار هذا الفراغ، ثم يغلقون الصفيحة بإحكام ويسكبون عليها من الخارج ماءً بارداً، فيتكثف البخار، ويقل حجمه، ويصبح جزء من الصفيحة خالياً من الهواء، فتنهار جدران الصفيحة إلى الداخل بسبب ضغط الهواء خارج الجدران، وتفريغ الهواء داخل الصفيحة، ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى حينما يعذب قوماً أو ينزل بهم عقاباً، فهو يرسل عليهم ريحاً، ويقول جل وعلا {وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 6-7].
ويقول الشيخ الشعراوي، يقول الحق سبحانه عن الريح التي تغرق بأمواجها العالية: {إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22]،
إذن فكلمة ريح تعبر عن القوة المدمرة للهواء، لأن الريح إذا اتحدت قوتها واتجاهها أصبحت مدمرة، ولكن إن قابلتها ريح ثانية فالتوازن يحدث بين القوتين، ولذلك حين يستخدم الحق كلمة الريح لا يتكلم عنها إلا للتخريب والتدمير، أما إن تكلم عنها للخير فسبحانه يأتي بكلمة (رياح)، لأن تعدد اتجاهات الرياح هو الذي يوجد التوازن في الحياة، فإذا أراد الله أن يهلك بالريح جاء بها من جهة واحدة فتصير قوة الريح من ناحية لا تعادلها قوة أخرى للريح من الجهة المقابلة لتتعادل القوتان، {وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان: 48]، و(ريحكم) أي قوتكم، لأن الريح هنا معناها القوة التي تدمر عدوكم، ونعلم أن السفن في الماضي كانت تُبحر بقوة الريح، وعندما تقَّدم العلم وجاء البخار والكهرباء أُلِغي شراع المراكب واستخدم بدلاً منه ماكينات تدفع حركة السفينة،
فقد أمرهم الله أن يثبتوا في القتال، والقتال يحتاج إلى قوة وإلى عدم تنازع وإلى صبر على الشدائد، خصوصاً إذا كان عدوك صابراً شديد البأس.
ويستكمل الشيخ الشعراوي تفسيره، إذن ففي المعركة يريد الله عز وجل من المؤمنين الثبات في القتال وعدم الفرار، وذكر الله كثيراً، وعدم التنازع حتى لا تضيع قوة المؤمنين، ويوصيهم سبحانه بالصبر، لأن عدوهم قد يكون عنده صبر وجلد، فلابد أن يمتلك المؤمن رصيداً من الجلد والصبر، ويُمَكّنه من هزيمة عدوه، لافتا إلى أن وصفة الصبر تدل على المنافسة، وهي مأخوذة عندما كانوا يغطسون في الماء، فالذي يبقى تحت الماء أكثر من الآخر يكون نفسه أطول، ولذلك فسيدنا عباس وسيدنا عمر- رضي الله عنهما- دخلا في منافسة في الغطس، وقال له: نافسني، أي لنرى من الذي سيمكث تحت الماء أكثر- ويكون {صابراً} أي يتحمل أكثر في المواقف الصعبة ويصبر صبراً فوق صبر الخصوم، وقوله الحق عز وجل هنا: {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} [الأنفال: 46].