تقول الأخبار المتواترة إن شركة “نيورالينك”، التي يمتلكها الملياردير الأمريكي، المثير للجدل، إيلون ماسك، تخطط لوضع غرسات بحجم العملة المعدنية في أدمغة البشر في غضون ستة أشهر، بهدف “السماح للعقل البشري بالتحكم في الأجهزة الإلكترونية المعقدة، ومساعدة الأشخاص المصابين بالشلل باستعادة الوظيفة الحركية واستعادة الرؤية لفاقدي الإبصار وعلاج أمراض الدماغ الأخرى”.
إن إيلون ماسك، الذي يمتلك منصة “تويتر”، ويتولى إدارة شركة “نيورالينك”، إلى جانب شركة “تسلا” لتصنيع السيارات الكهربائية، وشركة الصواريخ “سبيس إكس”، لم يتوقف يوماً عن صناعة الدهشة، وقد دأب سابقاً على الترويج لمشاريع تثير جدلاً في الكثير من الأوساط، مثل “استعمار المريخ”.
وفي العام 2019، كان ماسك قد طرح فكرة دمج الدماغ البشري بالذكاء الاصطناعي، عبر زرع شريحة إلكترونية “تهدف إلى معالجة المخاطر الوجودية المرتبطة بالذكاء الرقمي الخارق”، مضيفاً أن الإنسان لن يصبح قادراً على أن “يكون أكثر ذكاءً من الحواسيب الرقمية العملاقة، لذلك، إذا لم يتمكن من التغلب عليها، فينبغي الانضمام إليها”.
لا يبدو أن الحديث عن زرع شرائح إلكترونية في الدماغ البشري لتحقيق الربط مع تجليات الذكاء الاصطناعي جديد؛ ففي العام 2016، تحدث “ميشيو كاكو” أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة “نيويورك سيتي”، عن أربعة اختراقات بشرية صنعت مسيرة التطور العالمي من وجهة نظره.
وقد حدد “كاكو” تلك الاختراقات في اكتشاف قدرة البخار، ثم اكتشاف الكهرباء، والتكنولوجيا، وخصوصاً تجليات “الإنترنت”، وصولاً إلى الاختراق الرابع الذي رأى أنه ليس سوى “الذكاء الاصطناعي” Artificial Intelligence.
يقول “كاكو” إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستندة إلى مسار تطبيقي واسع لإمكانيات “الإنترنت” سيأخذنا حتماً إلى عالم جديد، عندما سنبدأ في زرع شرائح إلكترونية موصولة بشبكات معقدة وضخمة داخل أجسادنا.
ومن بين الاختراقات التي ننتظر تحققها في هذا الصدد، أن يتم زرع عدسة في العين موصولة بشبكة “الإنترنت”، بحيث يمكننا التقاط صورة فورية للشخص الذي نلتقيه بمجرد رؤيته، ومن ثم نأخذ الصورة إلى قواعد البيانات المخزنة في الشريحة التي تعمل في رأسنا، وعبر مقارنة الصورة بملايين الصور المخزنة لدينا، سنتعرف إلى المعلومات المتاحة كلها بشأن الشخص المعني؛ ومن ذلك بالطبع عنوانه، وعمره، وسجله الصحي، وممارساته على مواقع “التواصل الاجتماعي”، ومتى التقيناه آخر مرة، والأحكام السابقة التي صدرت بحقه إذا كان من أصحاب السوابق.
ووفق ما يؤكده “كاكو”، لن تكون هناك حاجة لمترجم لكي نفهم اللغة المصرية القديمة أو اللغة اللاتينية، لأننا سنرسل أي نص عبر العدسة المزروعة في أجسادنا إلى الترجمة فوراً، وسنحصل عليها بدقة بالغة.
ويبدو أن ماسك مهتم فعلاً بهذا المسار العلمي الابتكاري الذي تحدث عنه كاكو، حيث وفر مبكراً موازنة ضخمة للمضي قدماً في الأبحاث التي تستهدف زرع الشريحة في الدماغ البشري، كما أنه أجرى من خلال شركته المعنية عديد التجارب على بعض الحيوانات.
وكان ماسك قد أعلن سابقاً أن شركته تعمل على تطوير شرائح صغيرة، مدعومة بتقنية “البلوتوث”، بحيث يمكن زرعها في أدمغة البشر، بما يسمح بـ “توارد الخواطر” بين المتصلين، ويحقق “منافع” أخرى بعضها ذو طابع صحي.
ويشرح هذا المستثمر فكرته فيقول إن تلك الشريحة ستكون متصلة بألف سلك، بقياس عُشر شعرة الإنسان، وأنها ستحتوي على منفذ “يو إس بي” USB، مشابه لذلك المحول الذي تستخدمه “ماك بوك” من “آبل”، بحيث يتم وضعها فوق الأذن، لتتصل بهاتف ذكي، ما يؤدي إلى “زيادة هائلة” في حجم الذاكرة، وقدرات اتصال لا يحدها حد.
يؤكد ماسك أن خطته تهدف إلى “تشبيك الأدمغة مع الآلات، بما يجسر الفجوة بين إمكانيات الذكاء الاصطناعي الهائلة وإمكانيات الدماغ البشرية”.
يريد الرجل أن يصنع اندماجاً كاملاً بين الدماغ البشرية والآلة، لكي يتحقق “التعايش بين القدرات البشرية والذكاء الاصطناعي”، ولكي يحقق خطته تلك فإنه سيدمج بين تطبيقات هذا الأخير واستخدام الهواتف المحمولة الذكية، لخلق قوة حاسوبية جبارة، في عملية يريد أن يجعلها “آمنة”، وأن ينجزها قريباً كما أفادت الأنباء أخيراً.
ورغم الطموح الجارف الذي يظهره ماسك عند حديثه عن خططه المتعلقة بالشرائح الإلكترونية التي ينوي زرعها في أدمغة البشر، سواء لحل مشكلات صحية لم تفلح العلاجات الحالية في التعامل معها، أو لتعزيز الارتباط بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي، فإن كثيرين في المجتمع العلمي يشككون في إمكانية تفعيل تلك الخطط قريباً، بينما يشكك آخرون في مدى توافق تلك النوايا والتجارب العلمية مع الاشتراطات الصارمة للبحث العلمي.
ثمة انتقادات كبيرة وجهت لماسك بخصوص التجارب المعملية التي أجرتها شركته على بعض الحيوانات، وهي انتقادات تنطوي على اتهامات أيضاً بخرق القواعد والبروتوكولات العلمية المرعية في هذا الصدد، ومع ذلك، فإنه يُظهر عزماً على مواصلة مشواره الذي يتحدث عن أهميته على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
لكن النقاد وبعض محللي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرتابون في خطط ماسك، ويحذرون من أنها قد تؤدي إلى “تهكير الأدمغة البشرية”، أو تسهيل “التحكم بالبشر”، أو تخرق معايير صحية يجب الالتزام بها في الأنشطة العلاجية. فهل ستنجح خطط ماسك؟ وهل سيتقبلها العالم؟
نقلا عن الوطن .