في مطلع العقد المنصرم، نشرنا عدة مقالات ناقشنا فيها حتمية انبثاق نظام دولي جديد، وأوضحنا أن مخاض ولادة هذا النظام ستكون عسيرة جداً.ومردّ صعوبة هذا المخاض إلى أنه مختلف عن البيئة التي تَشكّل فيها النظامان الدوليان اللذان أخذا مكانهما في القرن الماضي، ذلك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين هيّأت نتائجهما لانبثاق النظامين الدوليين آنفيْ الذكر، استخدمت فيهما أسلحة تقليدية. وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي صاحبتهما، فإنهما لم يشكّلا تهديداً حقيقياً بفناء الجنس البشري. أما بعد اكتشاف سلاح الرعب النووي، فإن نشوء حرب عالمية ثالثة، ستعني فناء حتمياً للبشرية جمعاء.
البديل عن شن حرب عالمية ثالثة تحمل مخاطر إبادة الجنس البشري، هو شن حروب الوكالة، حيث ينخرط أحد أقطاب الدول الكبرى فيها بشكل مباشر، بينما يكتفي الغرماء بتقديم الدعم العسكري. وقد حدث ذلك عدة مرات في الحروب التي جرت في آسيا وإفريقيا بشكل مباشر، كما في الهند الصينية والأزمة الكورية، والصراع في حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية، بأشكال غير مباشرة.
في مطلع العقد المنصرم، نشرنا عدة مقالات ناقشنا فيها حتمية انبثاق نظام دولي جديد، وأوضحنا أن مخاض ولادة هذا النظام ستكون عسيرة جداً. ومردّ صعوبة هذا المخاض إلى أنه مختلف عن البيئة التي تَشكّل فيها النظامان الدوليان اللذان أخذا مكانهما في القرن الماضي، ذلك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين هيّأت نتائجهما لانبثاق النظامين الدوليين آنفيْ الذكر، استخدمت فيهما أسلحة تقليدية. وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي صاحبتهما، فإنهما لم يشكّلا تهديداً حقيقياً بفناء الجنس البشري. أما بعد اكتشاف سلاح الرعب النووي، فإن نشوء حرب عالمية ثالثة، ستعني فناء حتمياً للبشرية جمعاء.
البديل عن شن حرب عالمية ثالثة تحمل مخاطر إبادة الجنس البشري، هو شن حروب الوكالة، حيث ينخرط أحد أقطاب الدول الكبرى فيها بشكل مباشر، بينما يكتفي الغرماء بتقديم الدعم العسكري. وقد حدث ذلك عدة مرات في الحروب التي جرت في آسيا وإفريقيا بشكل مباشر، كما في الهند الصينية والأزمة الكورية، والصراع في حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية، بأشكال غير مباشرة.
ولن يكون منطقياً اعتبار حالة الانفلات التي سادت معظم أرجاء العالم، وبروز منظمات الإرهاب التي اتخذت من المنطقة العربية مركز الثقل في نشاطاتها، خارج هذا السياق.
الحرب الدائرة، الآن، بين روسيا وأوكرانيا، هي حرب الوكالة، حيث تلعب روسيا دور الفاعل الرئيسي في الحرب، في حين يقف الغرب كله داعماً لأوكرانيا، ومانعاً في الوقت الراهن، من إلحاق الهزيمة بقواتها، وموفّراً لها كافة سبل الاستمرارية في المواجهة العسكرية. لكن ما يميز هذه الحرب عن سابقاتها من حروب الوكالة التي شنّت بعد الحرب العالمية الثانية، هو أن جميع المنضوين فيها، يقرون بأن ما بعدها لن يكون كما قبلها، من حيث شكل وطبيعة النظام الدولي الذي سينبثق عن نتائجها.
يتفق في ذلك الرئيس الروسي بوتين، ونظيره الأمريكي، وتشاركهما في هذه القناعة الصين وقادة أوروبا. وحتى قادة أوكرانيا يدركون ذلك، ويتصرفون وفقاً لوعيهم، بحقيقة دور الحرب التي يخوضونها في تسريع أو تأجيل انبثاق النظام الدولي الجديد.
ولعل الأبرز بين التصريحات الأوكرانية التي تشير إلى ذلك، تصريح وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، في مقابلة مع قناة «1 + 1» التلفزيونية، حيث أشار بوضوح، إلى أن الجنود الأوكرانيين ينفذون مهمة حلف «الناتو»، ويشاركون في الصراع ضد روسيا بدلاً منه. «إننا ننفّذ مهمة حلف «الناتو» اليوم. إنهم لا يريقون دماءهم؛ بل نحن نسكب دماءنا، لذا فهم مطالبون بتزويدنا بالسلاح».
إن أوكرانيا من وجهة نظر ريزنيكوف هي الدرع الحقيقية التي تحمي العالم المتحضر، والغرب بأكمله، لذلك فإنه من الطبيعي أن تعيش كييف في هذا المنعطف، على حساب الموارد الغربية؛ كونها تنوب بمفردها عن جبهة الحضارة، وفقاً لتعبيره.
بيئة الحرب الروسية على أوكرانيا، خلّفت أوضاعاً اقتصادية مشابهة للأوضاع التي مر بها العالم في نهاية العقد الأول من القرن الماضي، والتي أوقعت العالم في أزمات كساد حادة، أودت بحياة ملايين البشر، الذين ماتوا نتيجة تضوّرهم جوعاً وفقراً. وهي أيضاً مشابهة لأزمة الكساد الحادة الأولى التي بدأت عام 1928، وكان من نتائجها اشتعال الحرب العالمية الثانية، بما يعني أن الحرب التي تدور رحاها في الساحة الأوكرانية، لن تكون خاتمة المطاف، والأمر لا يحتاج إلى وقفات تحليلية مطوّلة، فكل كساد يمر به العالم، هو بوابة حروب جديدة، ولن يكون هناك احتمال لانبثاق نظام دولي جديد من غير حروب.
في سياق ما هو متوقع من شيوع حالة كساد عالمية، نكتفي بتصريح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبق، آلان غرينسبان، بأن الاقتصاد الأمريكي سيشهد ركوداً في العام الجاري، نتيجة لخطوات رفع الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي في المرحلة الحالية. وكان صندوق النقد الدولي قد خفّض في أكتوبر الماضي، توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2023، ما يعكس استمرار التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
ستكون سياسة بروز المحاور وانشطار العالم إلى معسكر شرقي يضم الصين وروسيا والهند، وآخر غربي يضم الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب، من بديهيات إعداد المسرح لانبثاق النظام الدولي الجديد، وما قبل انبثاقه، ستكون حروب ضارية تُستخدم فيها أحدث ما في الخزائن من مختلف أنواع الأسلحة، وسباق تسلح وفقر ومجاعات لا أول لها ولا آخر، على أمل أن يُدرك الغرماء ألاّ بديل عن العودة إلى طاولة المفاوضات وتحقيق السلام، وفقاً للاعتراف بحقائق القوة الجديدة.
نقلا عن الخليج .