تحمل مسئولية عائلته وهو فى سن 14 وقالت له لجنة الاختبارات: ما تنفعش ممثل اشتغل بلياتشو
لا يقاس العمر بعدد السنوات ولا تقاس النجومية بكثرة الأعمال، فهناك من يزورون الدنيا زيارة خفيفة وسنوات قليلة، ولكنهم يتركون أثرا كبيرا، ويزرعون محبة لا حدود لها، فيعيشون بعد موتهم إلى الأبد، هكذا كان وأصبح الملاك الضاحك الفنان علاء ولى الدين الذى تحل ذكرى وفاته العشرين اليوم، حيث رحل عن عالمنا فى 11 فبراير عام 2003.
ضيف خفيف على الدنيا كخفة ظله التى أسرت القلوب رغم سنوات عمره القليلة، سكن وجدان الملايين ببساطته وبراءته وموهبته، فعاش رغم موته وسيبقى وتبقى أعماله عبر الأجيال، يرددون عباراته ويعشقون فنه وبساطته.. ناظر مدرسة الضحك الراقى عاشور عاشور عاشور، وعبود الجندى الطيب خفيف الظل، والست جواهر أم الناظر صلاح الدين التى عبرت عن شخصية الأم المصرية بكل تفاصيلها.. تتردد عباراته بين الكبار والصغار: «كله ضرب ضرب ما فيش شتيمة.. واكلة كرنب وهابهدلك.. يا عينى عالحلو لما تبهدله الأيام.. يعيش الوطن واحنا مش مهم.. لف وارجع تانى.. اعمل نفسك ميت.
علاء ولى الدين حالة خاصة فى الفن والحياة، نموذج فريد يجمع بين الفن والصوفية، الضحك والأحزان، البساطة والعمق، الكوميديا والمأساة، وربما لكل هذه الأسباب وبسبب هذه التوليفة الخاصة عاش فى وجداننا للأبد، تتضاعف محبته وشعبيته لما مرت السنوات.
البداية والنشأة
هذا الفتى الذى نشأ وتربى وهو يرى نجوم وعمالقة الفن فى بيته وفى الاستوديوهات ومع والده الفنان سمير ولى الدين الذى حمل علاء بعض صفاته، وورث عنه حب الفن، حيث ينتمى الأب إلى قرية الجندية مركز بنى مزار بمحافظة المنيا، وجاء إلى القاهرة للالتحاق بكلية التجارة، ثم عمل بمصلحة الضرائب، واشتغل بالتمثيل، ووصل فى وظيفته إلى درجة مأمور ضرائب، وتزوج من والدة علاء التى تنتمى أيضًا لمحافظة المنيا وأنجباه فى الدرب الأحمر فى 11 أغسطس عام 1963 فى البيت الذى عاش فيه السفاح بطل قصة اللص والكلاب بشارع محمد على، كما أوضح معتز ولى الدين شقيق الفنان الراحل فى حواره مع «اليوم السابع»، وفى هذا البيت عاشت الأسرة سنة من 1963 حتى 1964 وبعدها انتقلت إلى مصر الجديدة.
ولظروف سفر والده، تم تأجيل استخراج شهادة ميلاد علاء، حيث صمم والده أن يذهب بنفسه لتسجيل اسمه فى سجلات المواليد، لذلك تأخر تسجيله حتى 28 سبتمبر عام 1963.
ظهر الفنان سمير ولى الدين والد علاء فى العديد من الأدوار، ومنها الشاويش حسين فى مسرحية شاهد ما شافش حاجة والفراش، جابر فى مدرسة المشاغبين، وعدة أدوار فى مسلسلات مع المخرج نور الدمرداش أغلبها لشخصية الرجل الصعيدى، أما جد علاء فهو الشيخ سيد ولى الدين الذى درس شريعة وقانون بالأزهر، وبنى مدرسة ابتدائية فى قريته الجندية، حيث لم يكن بها مدارس وكان الأطفال يقطعون ما يقرب من 15 كيلو للوصول إلى أقرب مدرسة فتبرع الشيخ بقطعة أرض وبناها.
أنجب الفنان سمير ولى الدين ثلاثة أولاد هم: علاء وخالد ومعتز، وكان يتمتع بشعبية ومحبة الوسط الفنى، وكان بيته ملتقى نجوم وعمالقة الفن، يستقبلهم بترحاب وتعد زوجته التى كانت تجيد الطهى الولائم لهم، ونشأ علاء وعشق الفن فى هذا البيت ولكن والده شدد عليه بأن يكمل دراسته أولًا.
أحزان ناظر مدرسة الضحك
لم تكن حياة علاء ولى الدين يغلب عليها الضحك والكوميديا كما كانت أعماله، ولكنها امتلأت بالصدمات والأحزان، فقبل أن يبلغ سن 14 بدأت أولى صدمات حياته بوفاة والده بشكل مفاجئ، كما أشار شقيقه معتز ولى الدين: «كان والدى سهران فى عيد ميلاد ابن مدير إنتاج بالتليفزيون وشعر بتعب مفاجئ حيث كان مريضًا بالسكر، ونقلوه للمستشفى وتوفى ولم يعد للمنزل وكان عمره 48 عامًا».
وتابع: «كان عمرى 9 سنين وعلاء 14 سنة وخالد 11، وكنا نايمين وصحونا من النوم وقالوا أبويا مات وكانت والدتى وقتها عمرها 38 سنة، وعلاء شال المسؤولية وبقى راجل البيت وعائل الأسرة رغم صغر سنه، وأصبح الأب والأخ، وعندما وصل لسن 16 سنة واستخرج بطاقة اشتغل علشان يساعد والدتى، اشتغل فى مطاعم وأمن فى أوتيلات واتنقل فى شغل كتير».
ارتبط علاء ولى الدين بوالدته ارتباطًا كبيرًا، واعتبرته ابنها وسندها واعتبرها كل حياته وسعى لإرضائها والتخفيف عنها بكل الطرق، وتنفيذًا لوصية والده التحق بكلية التجارة ليحصل على شهادة جامعية قبل أن يتجه للفن.
أصيب علاء ولى الدين بمرض السكر وهو فى المرحلة الثانوية، وعن ذلك قال شقيقه معتز: «ورث مرض السكر عن أبى وأمى، وكان بيأخذ كل شىء بالكوميديا حتى المرض».
ولم يكن طريقه للفن مفروشًا بالورود ولكنه عانى كثيرًا، ومر بهزائم وانكسارات قبل أن يعرف طريق النجومية، وقال شقيقه معتز: «بعد حصول علاء على بكالوريوس التجارة سعى للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية ولكنه اترفض كذا مرة، حيث كان القائمون على الاختبارات غير مقتنعين به وقالوا ما ينفعش يبقى ممثل».
وبانفعال يقول معتز صلاح الدين: «علاء سأل أعضاء اللجنة: هو أنا باسقط ليه، فرد عليه أحدهم قائلا: لأنك ما تنفعش تمثل أنت تروح تشتغل بلياتشو فى سيرك، لكن علاء تمسك بحلمه والتحق بأكاديمية نور الدمرداش واشتغل ونجح».
مشوار النجاح
بدأ علاء ولى الدين مشواره الفنى بالمشاركة فى مسلسل على الزيبق عام 1985، حيث قام بدور حبظلم، ثم شارك فى عدد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية والسينمائية، ولكنه لفت الأنظار عندما شارك فى فيلم أيام الغضب عام 1989، وكانت النقلة الكبيرة فى مشواره الفنى عندما اختاره الزعيم عادل إمام للمشاركة فى فيلم الإرهاب والكباب عام 1992، كما استعان به فى عدد من الأفلام وصل إلى 6، وفى تصريحات لعلاء ولى الدين قبل رحيله، أكد أن مشاركته للزعيم فى عدد من الأعمال هى التى أهلته للبطولة فى فيلمى «الناظر وعبود على الحدود».
أحدث علاء ولى الدين وعدد من أبناء جيله نقلة كبيرة فى السينما، وتميز هذا الجيل بالترابط وعلاقات الصداقة التى جمعتهم منذ بداية مشوارهم، حيث تعرف علاء ولى الدين على رفاقه محمد هنيدى وعلاء مرسى وأشرف عبدالباقى وصلاح عبدالله ومحمد الصاوى وغيرهم.
يشعر شقيق علاء ولى الدين بالامتنان والتقدير لجيل شقيقه الراحل: «الجيل ده أصدق جيل فى الوسط الفنى، بيحبوا بعض ويخافوا على بعض وما حدش يقدر يوقع بينهم، أكلوا فول وطعمية على الأرصفة، واشتروا سجاير فرط، تعبوا معا ونجحوا معا».
وأكد شقيق الفنان الراحل أن النقلة التى حدثت فى السينما بسبب فيلم إسماعيلية رايح جاى وما حققه من نجاح وإيرادات أكسبت هذا الجيل مزيدًا من الثقة والنجومية، وقدم علاء ولى الدين فيلمى «عبود على الحدود، والناظر»، وأحمد آدم «ولا فى النية»، وأشرف عبدالباقى «أشيك واد فى روكسى»، وهنيدى «همام فى أمستردام» وتوالت النجاحات.
لم يكن علاء يتوقع أن يحقق كل هذا النجاح، وتحسنت ظروفه وظروف أسرته ماديًا ومعنويًا، وفى نفس الوقت كان يحظى بمكانة كبيرة لدى زملائه، ورغم مروره بعدد من التجارب العاطفية لكن أى منها لم يكتمل.
وساهم علاء ولى الدين فى ظهور عدد من نجوم الساحة الفنية الحاليين أمثال أحمد حلمى وكريم عبدالعزيز ومحمد سعد، فعلى سبيل المثال كان أول ظهور لشخصية «اللمبى» فى فيلم «الناظر» وبعدها انطلق محمد سعد وأصبح نجم شباك، كما برزت فى هذا الفيلم موهبة أحمد حلمى.
الكوميديان الصوفى
ورغم كل هذه النجاحات كان علاء دائمًاً يشعر بقرب موته ويستعد للقاء ربه، وذلك بشهادة كل من اقترب منه وتعامل معه.
وعن ذلك قال شقيقه معتز: «علاء كان دايما عنده إحساس إنه هيموت بدرى، وقبل سفره الأخير إلى البرازيل لتصوير مشاهد فيلمه الذى لم يكتمل «عربى تعريفة»، ذهب لأداء العمرة وأحضر معه عطرا ومسكا للغسل وأعطاه لأخى خالد وقال له لما أموت غسلونى بيه».
وتابع: «علاء كان متدينا وصوفيا ويعشق آل البيت ويزور الأولياء الصالحين متخفيًا حتى لا يتجمهر حوله الناس، وعمل أكتر من عمرة واصطحب أمى معه، وكان له ورد يومى لا ينام إلا بعد أن يقرأه حتى فى أشد فترات انشغاله».
وحكى شقيق علاء ولى الدين، عن الساعات الأخيرة قبل وفاته، قائلا: «لم تكن هناك مقدمات تشير إلى أنه يوشك على الموت، رجع ليلة عيد الأضحى من البرازيل بعد تصوير 18 دقيقة من الفيلم، وصلى الفجر والعيد، وبعد ذبح الأضحية دخل ينام، وبعد دقائق اكتشفنا وفاته».
فيما حكى إسماعيل ولى الدين ابن عم علاء عن التفاصيل التى لم يستكملها شقيقه، قائلا: «فى آخر عمرة قام بها علاء قبل سفره الأخير إلى البرازيل أحضر حقيبة بها تراب من البقيع ومسك، وأعطاها لشقيقه خالد فى وجودى أنا ومحمد هنيدى، وقال: الشنطة دى افتحوها يوم وفاتى، حطوا التراب تحت راسى وغسلونى بالمسك، وبالفعل هنيدى نزل القبر أثناء دفن علاء لتنفيذ الوصية».
ويكمل: «علاء اشترى مدفنا قبل وفاته بـ6 شهور، وكان كل جمعة يأخذنا لنقرأ القرآن، وذهب آخر مرة قبل وفاته بعشرين يومًا، ووضع يده على الرمل وقال ياااه لما الواحد يرتاح هنا، لما أموت حطونى هنا واعملوا كذا وكذا».
وكشف ابن عم علاء ولى الدين أن الفنان الراحل كان ينوى أن يصطحب والدته بعد الانتهاء من تصوير فيلم عربى تعريفة للإقامة الدائمة فى المدينة بجوار قبر الرسول.
وعن تفاصيل وفاة علاء ولى الدين قال ابن عمه: علاء كبر تكبيرات العيد فى البرازيل، وقال لى أنا كبرت وذكرت اسم الله فى حتة ما سمعتش صوت أذان قبل كده، وبعد وصوله للقاهرة فجر عيد الأضحى قال له أخوه خالد: أنا جهزت لك شقة الزوجية، فرد علاء قائلا: تعبت نفسك ليه أنا عارف مش هادخلها، وكلمنى فذهبت إليه ووجدته على السطوح، دبح وكان طبيعى جدا وبيهزر ويقول إيفيهات وقاللى تعالى هنا يا إسماعيل الخروف ما بيتاكلش صاحى، وبعدها أخدت أنا وأخوه خالد شنط اللحم لتوزيعها، وقال علاء لوالدته: أنا هادخل أنام ولما ييجى إسماعيل وخالد هاقوم أعمل السنة وناكل الفتة».
يشير إسماعيل ولى الدين إلى أنه لم يمر سوى دقائق معدودات بعد نزوله مع خالد شقيق علاء حتى اتصل بهم معتز وهو يصرخ: تعالوا بسرعة علاء مات: «رجعنا لقيناه وقع على الأرض بمجرد دخول غرفته والطبيب قال إنه أصيب بسكتة دماغية».
كانت وفاة علاء ولى الدين صدمة كبيرة للوسط الفنى من كل الأجيال، وأصيب عدد من زملائه بحالة اكتئاب لفترة طويلة ومنهم الفنان الكبير حسن حسنى الذى سافر وابتعد عن الفن وقرر الاعتزال ولم يعمل لعدة أشهر حزنًا على وفاة علاء الذى قال عنه «أطيب ولادى الفنانين وأقربهم لقلبى» ، وحرص زملاؤه على زيارة والدة علاء حتى وفاتها.
وبعد رحيل علاء توالت الأحزان على أسرته حيث رحل شقيقه خالد فى حادث هو وزوجته وكان معهما ابنهما يوسف الذى سمع والده ينطق الشهادة قبل موته، وتدهورت صحة والدة علاء بسبب مضاعفات السكر، فضلًا عن إصابتها بالسرطان ودخلت فى غيبوبة، وأشار إسماعيل ولى الدين ابن عم علاء، قائلًا: «ظلت تنادى على علاء قبل وفاتها وكانت تنظر إلى تليفزيون المستشفى وتقول علاء بيتجوز قدامى أهه، وتوفيت بعد وفاة ابنها خالد بفترة قصيرة»، وهكذا تكالبت الأحزان على عائلة علاء ولى الدين الذى ملأ الدنيا بهجة وضحكًا وسعادة.
فيما فجر شقيقه معتز مفاجأة بعد مرور ما يقرب من 18 عاما على رحيل علاء، حيث قال خلال مداخلة هاتفية مع تليفزيون «اليوم السابع»، إحياء لذكرى وفاة شقيقه إنه عندما شرع فى نقل جثمان علاء من مكانه بمقابر مدينة نصر إلى مقابر العائلة فى منطقة السيدة وجد جثمانه كما هو ولم يتحلل.
.المصدر : اليوم السابع