تشارك «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير» في معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ54، بإصداراتها المتنوعة ومنها كتاب «الزكاة صدقة و قرض حسن» للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.
يتناول الكتاب ركن من أهم أركان العبادات والذي يرسي قاعدة التكافل الاجتماعي، وفي ذلك يقول الله تعالي في محكم آياته: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة: 271).
الزكاة قرض حسن يضمن التكافل الاجتماعي
وتتصدر هنا الزكاة كافة مسارات الإنفاق، وتجسد أعلى صوّر التكافل الاجتماعي. وبها يعمر المجتمع ويزدهر.
يقول المفكر علي الشرفاء في كتاب «الزكاة صدقة و قرض حسن »، إن مقاصد الخطاب الإلهي في شأن الزكاة، تحمل من الدلالات العظيمة ما يعجز عن إدراكه الكثير ممن تسموا بعلماء وفقهاء.
فالزكاة في التشريع الإلهي تحمل بين طياتها سرًا من أسرار هذا الدين القيِّم . حين تكون الزكاة عاملًا هامًا، وأداة محورية في الحفاظ على وحدة الأمة وسلامة مجتمعاتها.
وقد سُميَّت الزكاة بهذا الاسم، لأنها تُزكي النفس البشرية وتطهرها. وتجعلها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر.
بفعلها يصلح المجتمع ويأتلف. ويغدو متماسكاً، قوياً كالبنيان المرصوص. ومن هنا، جعلت الزكاة ركنًا وفرضًا، حالها حال الصلاة والصيام وحج بيت الله الحرام، مصداقًا لقوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة: 110).
النسبة الصحيحة للزكاة من آيات الذكر الحكيم
وعن نسبة الزكاة الشائعة والمتعارف عليها بين الناس، قال المفكر العربي علي الشرفاء: ومن سوء طالعنا وما ابتلينا به من فقه وفقهاء صرفوا الأمة عن وجهتها في هذا الصدد.
حين جعلوا نِصَاب الزكاة على النحو الذي فيه الزكاة كفريضة لا تقوم بما أراده الله لها أن تقوم به في إشاعة روح التكافل الاجتماعي، حين قرروا نسبة للزكاة 2.5% وجعلوها مقدسة لا مساس بها.
وهي في الأصل نسبة غير صحيحة ولا هي عادلة، بل وليست تلك النسبة بالتي تؤدي الغرض المرجو من تلك الفريضة الإلهية.
تأتي هنا الزكاة لتزكية مال الغني المقتدر وتطهره، فيبارك الله له فيه، ويضاعف له ما أنفق من صافي أرباحه ومكاسبه حسب النسبة المقررة في التشريع الإلهي وهي 20%.
تمشيًا مع قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41)
وتلك النسبة التي قررها التشريع الإلهي يتم استقطاعها وإنفاقها لصالح الزكاة/ الصدقة، تمشيًا مع قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» (البقرة: 267)
وقد جعل الله فريضة الزكاة في تشريعه الإلهي الضمانة الحامية لروح التكافل الاجتماعي داخل الأوطان، حين أرادها فرضًا وعبادة يأثم تاركها إن كان قادرًا علي البذل.
في حين أنه سبحانه وتعالي قد أعفى الفقير من العطاء، فليس عليه من زكاة ما دام غير قادر.
أهداف إنسانية للزكاة
وهنا لا ينحصر هدف الزكاة في صالح المجتمعات وإعمارها فحسب، بل يتجاوز هدف الزكاة لما هو أبعد من ذلك، حين يكون هدفها ضمن ما حوته من أهداف عُليا هو تربية النفس وإعلاء وتيرة السمو الإنساني والروحي لدى المسلم.
حين تكون آثار الزكاة وقائية علاجية للجوانب الروحية لما قد ينتاب الإنسان من الانزلاق في درك المادية القاتلة والأنانية وحب الذات.
فقد يرتد إلى أسفل سافلين فينسى دوره ويضيع أمانته ويكون أول عوامل الانحطاط هو الغلو في حب المال.
ذلك الحب الفطري المعقول الذي يعتبر من نعم الله علي الإنسان حتى تعمر الأرض، قال سبحانه: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» (العاديات: 8)
لكن الغلو يدفع الإنسان إلى الاكتساب وعدم الإنفاق على المحرومين، وبهذا يتحول من إنسان سوي متزن منسجم مع فطرة الاعتدال، إلي إنسان مادي لا يستشعر آلام المحرومين والفقراء.