وحول هذا الصدد تحاورنا مع استاذ العلوم الشرعية والمحافظة على التراث الديني بجامعة صنعاء الشيخ الدكتور : يحي بن عبدالله
ما رائيك في اطروحة المفكر العربي علي الشرفاء حول اشكالية تقديس روايات الاشخاص والبعد عن كتاب الله؟
- في البداية شكرًا جزيلاً على استضافتي في هذا الحوار المهم وأود أن أبدأ بالإشادة بالمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي على جرأته في تناول قضايا حيوية تمس جوهر الفهم الديني في مجتمعاتنا المعاصرة. إن دعوته للعودة إلى القرآن كمصدر أساسي للدين وتجنب تقديس الأشخاص تتسم بحكمة بالغة وعمق فكري لافت، وأوافق تمامًا فكر المفكر علي الشرفاء في أن تقديس المشايخ يمكن أن يؤدي إلى انحرافات في الفهم الديني، حيث يصبح الأفراد معتمدين على تفسير شخصي للنصوص المقدسة بدلاً من البحث والاجتهاد الشخصي. هذا الاعتماد المفرط يمكن أن يحد من التفكير النقدي ويحول الدين إلى مجموعة من التعاليم التي تُتبع بلا تفكير.
- في الآونة الأخيرة ظهر انحيازًا واضحا لتقديس المشايخ والقساوسة في بعض المجتمعات، حيث يتم اعتبارهم مصادر مطلقة للإرشاد الديني. هذا الأمر قد يؤدي إلى تقديس الآراء الشخصية وتجاوز التفكير النقدي، فهل يعني ذلك أن هناك تهميش لتقديس الكتب السماوية في بعض الأحيان؟
الديانات والمعتقدات الروحية تلعب دورًا مهمًا في توجيه الأفراد نحو القيم والأخلاق. وفي هذا السياق، يعتبر القادة الدينيون مصادر للإرشاد والتوجيه في المجتمعات. لكن هل يمكن أن يؤدي تقديس المشايخ والقساوسة إلى تجاوز تقديس الكتب السماوية وتحويل الانتباه إلى القادة بدلاً من المصادر الرئيسية للتعاليم؟ هذا المقال يستعرض هذه الظاهرة ويبحث في تأثيرها على المجتمعات والإيمان.
ومن الطبيعي أن يكون للقادة الدينيين تأثير كبير على المؤمنين. إنهم يقدمون التفسيرات والإجابات للأسئلة الروحية والمعنوية، ويمتلكون فهمًا عميقًا للنصوص الدينية والتاريخ. ومن هنا، يبني الناس صورًا تقديرية لهؤلاء القادة وقد يصلون إلى التقديس المطلق لهم. لكن هذا التقديس قد يؤدي إلى إغفال أهمية التوجه إلى الكتب السماوية بأنفسها.
ويمكن لتقديس المشايخ والقساوسة أن يأتي من قوة الإيمان وتبجيل الأفراد لدورهم في توجيههم نحو المعنويات والقيم. إن تجربة هؤلاء القادة وعلمائهم في فهم النصوص والتطبيق العملي يجعلهم مصادر رئيسية للإرشاد. ولكن هنا يكمن التحدي: كيف يمكن للمجتمع أن يتبنى تقديرًا عميقًا للقادة دون أن يفقد القدرة على التفكير النقدي والتحليل الذاتي.
- هل يمكن أن يؤدي تقديس المشايخ والقساوسة إلى منع النقاش والتفكير النقدي في معاني الكتب السماوية؟
التقديس الزائد للمشايخ والقساوسة قد يؤدي إلى انحراف عن الطريق الأصلي للدين. فعندما يُعتبر قولهم أو تعليماتهم أمرًا لاجتنابه دون تساؤل أو تفكير، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجاوز الفهم الشخصي والعميق للنصوص الدينية. يصبح القديسون البشريون وسائلًا للإجابة على الأسئلة، بدلاً من الكتب السماوية.
وتقديس المشايخ والقساوسة يسهم في نقل الانتباه والتقدير من الكتب السماوية إلى القادة أنفسهم. يمكن للأفراد أن يتوقفوا عن التفكير النقدي والبحث في الكتب الدينية، معتمدين على تفسيرات القادة فقط. هذا الأمر قد يجعل الأفراد يعتبرون تعاليم الكتب السماوية كشيء ثانوي وغير مهم.
والتفكير النقدي هو أحد أسس التفهم العميق للدين والمعتقدات. يتيح للأفراد فهم السياق والرسائل الخفية في النصوص الدينية. وبالتالي، فإن التفكير النقدي يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من العبادة والاحترام للكتب السماوية. إذا تمكن الأفراد من توازن التقدير للقادة والتفكير النقدي في الكتب، فإنهم سيكونون قادرين على فهم أعمق لتعاليمهم وتطبيقها بشكل أفضل في حياتهم اليومية.
لتحقيق التوازن بين تقديس القادة وتقديس الكتب السماوية، يجب أن يكون هناك تعاون مشترك بين القادة والمؤمنين. يجب أن يشجع القادة على توجيه الأفراد إلى البحث والتدقيق في الكتب السماوية بأنفسهم. على الجانب الآخر، يجب أن يكون للأفراد الشجاعة للتساؤل والتحقق من التفسيرات المقدمة من القادة.
- · ما هو الحل المقترح لتحقيق التوازن بين احترام القادة الدينيين والكتب السماوية وبين التفكير النقدي؟
لتحقيق التغيير المستدام في هذا السياق، يلعب الأفراد دورًا حاسمًا. يجب أن يكون لديهم المسؤولية الفردية في تحقيق التوازن بين تقديس القادة وتقديس الكتب السماوية. يمكن أن يكون التحول الثقافي هو أحد الوسائل لتحقيق ذلك. يجب أن يتم تعزيز ثقافة التفكير النقدي والبحث في المجتمعات، وأن يتم تحفيز الأفراد على الاعتماد على أنفسهم في استنباط المعاني الدينية والروحية.
والقادة الدينيين لهم دور هام في هذا السياق أيضًا. يجب عليهم تشجيع التفكير النقدي والبحث بين مؤمنيهم. يمكنهم تقديم الإرشاد والمساعدة في فهم النصوص السماوية بطريقة أعمق، دون أن يؤدي ذلك إلى إغفال أهمية الكتب السماوية ذاتها.
كما أن التوعية هي مفتاح تحقيق التوازن في هذا الجدل، يجب أن يتم توجيه الجهود نحو تثقيف الأفراد بأهمية القادة والكتب السماوية على حد سواء، يمكن تنظيم ورش عمل ومحاضرات توعية تسلط الضوء على أهمية التفكير النقدي والاعتماد على الكتب السماوية كمصادر أساسية.
في نهاية المطاف، التوازن بين تقديس القادة وتقديس الكتب السماوية هو تحدي ديني وثقافي، يتطلب جهدًا مشتركًا من القادة والأفراد لتحقيق التوازن المطلوب، ويمكن أن يكون للتفكير النقدي والاحترام للكتب السماوية دورًا حاسمًا في بناء مجتمعات تعتمد على فهم عميق للدين والروحانية، من خلال تعزيز الثقافة النقدية وتعزيز التواصل البناء بين القادة والأفراد، يمكن أن يكون لدينا مجتمعات تحقق التوازن بين القادة والكتب السماوية، وتزدهر في رحاب العقل والروح.