الأمانة التى يحملها أي رسول، مَهمّته توصيلها للمرسل إليه، ولا يملكُ الرسول تغيير محتوى الرسالة لأن ذلك يعتبر في حكم القانون والعُرف خيانة للأمانة.
إذا كان الرسول مكلَّفًا من الله بحمل الخطاب الإلهي للناس وينطقه بلسانه ليبلغهم آياته ويبيّن لهم حكمة مقاصد كتابه القرآن الكريم لما يصلح حالهم في الدنيا، ويعرِّفهم طريق الخير لما يحقّق منفعتهم وصلاحهم، وهو الأمين عليه السلام على رسالة الإسلام!
وخطاب التكليف الإلهي للرسول عليه السلام مُتَضَمَّنٌ في قول الله سبحانه: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2).
وقول الله سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزمر: 2).
وقول الله سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29).
وقول الله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّـهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ) (الأنعام: 19).
وقول الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (القصص: 58).
وقول الله سبحانه: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّـهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (القصص: 87).
وقول الله سبحانه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿44﴾) (الزخرف: 43-44).
وقول الله سبحانه: (أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (العنكبوت: 51).
وقول الله سبحانه في خطاب التكليف للرسول عليه السلام موضحًا له مهمته العظيمة لإنقاذ الإنسانية من الظلام ليخرجهم إلى النور: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿47﴾ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلًا ) (الأحزاب: 45-48).
وقول الله سبحانه موجهًا أمره للرسول عليه السلام بقوله: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: 45).
فالله سبحانه حدّد لرسوله مهمته بكل الوضوح والصراحة التي لا يمكن أن يحرّفها الإنسان أو يحاول تأوليها عندما يخاطب الله رسوله عليه السلام بقوله في الآية المذكورة أعلاه (فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)، مما يعني أن التكليف الإلهي يأمر رسوله بتذكير الناس بالقرآن الكريم وبآياته فقط ويشرح لهم حكمته فيها ومراده لخير الناس دنيا وآخرة، ولا يضيف من عنده كلامًا أو حديثًا يتعلق برسالة الإسلام بل يذكر الناس ويبلغهم آيات القرآن فقط، وهذه الآية جعلها الله قيدًا على رسوله لكي يلتزم بتبليغ الناس رسالته في كتابه المبين.
وتلك هي الأمانة التي كلّف الله بها رسوله الأمين ليعرضها على الناس، يبين لهم ما في القرآن من شرعة تحقق العدل بين الناس وتمنع الظلم وتحمي الحقوق وتحرّم العدوان على الإنسان، ليتحقق الاستقرار في المجتمعات وتنعم بالأمان في ظل التعاون والسلام بين كل الناس دون إقصاء لديانة أو مذهب أو طائفة أو لون، فالحكم للرحمن.
كما يعلّم الرسولُ عليه السلام الناس المنهاج الرباني، في كيفية التعامل فيما بين الناس بالرحمة والعدل واحترام حق الإنسان لحريته دون طغيان، والتعامل فيما بين الناس بالحسنى والإحسان لينتشر السلام وتتحقق للإنسان الحياة الكريمة باتّباع آيات القرآن والاعتصام به تدبرًا وإدراكًا وأخلاقًا واتباعًا لدعوة الرحمن، ليجتاز الناس في الحياة الدنيا سنوات الامتحان ليجزيهم الله في الآخرة جنات النعيم وما فيها من روح وريحان.