دراسة لبنانية تتفق مع أطروحات المفكر العربي علي محمد الشرفاء فى مقاله “أمانة الرسول في حمل ونقل الرسالة الإلهية”: النبي محمد عليه السلام كان مكلفًا بمهمة محددة تقتصر على تبليغ رسالة الله دون تدخل في التشريع
في إطار البحث العلمي الذي يهدف إلى تقديم رؤية متعمقة لمهمة النبي محمد عليه السلام وفق القرآن الكريم، تأتي دراسة الدكتور محمد الشحيمي بعنوان “مهمة النبي محمد في القرآن الكريم: دراسة تحليلية” لتسلط الضوء على الدور الأساسي الذي حددته النصوص القرآنية للرسول الكريم.
وتتفق هذه الدراسة بشكل كبير مع الطروحات التي قدمها المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في مقاله “أمانة الرسول في حمل ونقل الرسالة الإلهية”، حيث يشترك كل منهما في التأكيد على أن النبي محمد عليه السلام كان مكلفًا بمهمة محددة تقتصر على تبليغ رسالة الله دون تدخل في التشريع أو إضافة أي شيء من عنده.
في مقدمة دراسته، يوضح الشحيمي أن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي الوحيد للتشريع في الإسلام، مستندًا إلى نصوص قرآنية صريحة تؤكد أن الحكم لله وحده، وأن دور النبي كان محصورًا في إيصال هذه الأحكام إلى الناس بوضوح وشفافية. يشير إلى أن أي تفسير أو تأويل يحاول إعطاء النبي محمد عليه السلام دورًا تشريعيًا خارج إطار التبليغ يعد تحريفًا للمهمة التي كلف بها وفق النصوص القرآنية. هذا الموقف يتناغم مع ما ذهب إليه الشرفاء، الذي شدد في مقاله على أن القرآن هو المرجع النهائي وأن الرسول ليس مشرعًا، بل هو مبلغ فقط.
تستعرض الدراسة العديد من الآيات القرآنية التي تحدد بوضوح دور الرسول في التبليغ، مثل قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ” [المائدة: 67]، وقوله: “وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” [النور: 54]. يبين الشحيمي أن هذه الآيات تشير إلى أن مهمة الرسول كانت تقتصر على نقل ما أوحاه الله إليه، دون زيادة أو تعديل. ويضيف أن أي حديث أو رواية تتعارض مع هذا الفهم تعد غير مقبولة من منظور قرآني.
واحدة من أبرز النقاط التي يناقشها الشحيمي هي مسألة الاعتماد على الروايات والأحاديث النبوية في التشريع، والتي غالبًا ما تتعارض مع النصوص القرآنية. يشير إلى أن بعض الأحاديث نسبت إلى الرسول عليه السلام صلاحيات تشريعية لم يمنحها الله له، وهو ما يراه محاولة لتوسيع دور النبي خارج نطاق التبليغ الذي حددته الآيات القرآنية. ويتفق هذا التحليل بشكل كبير مع آراء الشرفاء، الذي أكد في مقاله أن القرآن الكريم يحتوي على كل ما يحتاجه المسلم من أحكام وتشريعات، وأن أي محاولة لإعطاء السنة النبوية دورًا تشريعيًا مستقلًا تشكل خطرًا على وحدة المسلمين وتماسكهم.
من الأمثلة التي يستعرضها الشحيمي في دراسته على التناقض بين بعض الأحاديث والقرآن، مسألة تقصير الصلاة في السفر. يشير إلى أن السنة النبوية المزعومة تشترط مسافة معينة لتقصير الصلاة، في حين أن القرآن الكريم يجعل هذا الأمر مرتبطًا بالخوف من الفتنة، كما في قوله تعالى: “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا” [النساء: 101]. يوضح الشحيمي أن هذا التناقض يعكس محاولة لتفسير النصوص القرآنية بطريقة تتوافق مع الأحاديث، وهو ما يعد تحريفًا للمفهوم الأصلي الذي جاءت به الآية.
ومن بين النقاط الأخرى التي تناولتها الدراسة، حكم قتل الزاني رجمًا، حيث يشير الشحيمي إلى أن هذا الحكم المزعوم يتعارض بشكل صريح مع النص القرآني الذي يحدد عقوبة الزاني والزانية بالجلد مائة جلدة، كما جاء في قوله تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ” [النور: 2]. يوضح الشحيمي أن هذه الأحكام تأتي من اجتهادات بشرية وليست من وحي إلهي، مما يثير تساؤلات حول صحة نسبتها إلى النبي محمد عليه السلام. ويتفق هذا الموقف مع رأي الشرفاء الذي أكد على أن النبي ليس له حق التشريع من عنده، وأن القرآن هو الحكم النهائي في مثل هذه المسائل.
الدراسة لم تقتصر على عرض التناقضات فحسب، بل دعت إلى ضرورة إعادة النظر في التراث الإسلامي الذي أُقحم فيه الكثير من الروايات التي لا تتوافق مع النصوص القرآنية. شدد الشحيمي على أهمية العودة إلى القرآن الكريم كمرجع وحيد وموثوق في التشريع، بعيدًا عن التأويلات التي قد تخرج النصوص عن سياقها الأصلي. هذا النهج يتطابق مع ما دعا إليه الشرفاء في مقاله، حيث أكد على أن القرآن الكريم هو النص الكامل والشامل الذي لا يحتاج إلى تكملة أو تفسير من مصادر أخرى.
من النقاط المهمة التي تطرق إليها الشحيمي في دراسته، هو مفهوم السنة النبوية وكيفية فهمها في ضوء القرآن الكريم. يشير إلى أن السنة هي شرح وتطبيق للقرآن، ولكنها ليست مصدرًا مستقلًا للتشريع. يوضح أن أي حديث يتناقض مع القرآن يجب أن يُرفض، لأن القرآن هو الأساس والمرجع. هذا الموقف يتفق مع دعوة الشرفاء لتجنب التأويلات التي قد تضيف إلى الدين ما ليس فيه، والاعتماد على القرآن وحده في تحديد العقائد والأحكام.
واكد الشحيمي في دراسته على أن الرسالة التي حملها النبي محمد عليه السلام كانت رسالة توحيدية تهدف إلى توجيه الناس إلى عبادة الله وحده، وأن النبي كان نذيرًا ومبشرًا، وليس مشرعًا. يرى الشحيمي أن فهم هذه الحقيقة يساعد المسلمين على تجنب الكثير من الفتن والخلافات التي نشأت بسبب الاعتماد على روايات قد لا تكون صحيحة. يتوافق هذا الرأي مع ما طرحه الشرفاء في مقاله، حيث أكد على أهمية التركيز على رسالة النبي كمنهج حياة يستند إلى القرآن الكريم وحده، دون إضافة أو تعديل.
في الختام، يمكن القول إن دراسة الدكتور محمد الشحيمي تمثل إسهامًا مهمًا في فهم الدور الحقيقي للنبي محمد عليه السلام وفق القرآن الكريم، وتدعو إلى العودة إلى النصوص القرآنية بوصفها المرجعية الوحيدة. يتفق هذا الطرح مع آراء المفكر علي محمد الشرفاء، الذي شدد في مقاله على ضرورة الاعتماد على القرآن وحده، وتجنب التأويلات البشرية التي قد تشوه الفهم الصحيح للإسلام. إن هذا التوافق بين الدراسة ومقال الشرفاء يعزز من دعوة المسلمين للعودة إلى القرآن الكريم كمنهج حياة شامل وكامل، يحميهم من الفتن ويقودهم إلى الطريق المستقيم.