في حوار خاص حول مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي “القرآن مرجعية الرسول” قال البحريني فيصل صنعون احد المتدبرين في كتاب الله أن المقال يعد مقالا ثوريا، لافتا إلى أنه إذا لم يكن ثَوْريا فلن تستطيع اِلتقاط المعاني الثوريَّة في كتاب الله، مؤكدا أن التاريخ يُحدثنا عن رجال فرضوا ذكرهم على لسانه يقف عندهم مَليًا وينحني لشجاعتهم وقوَّتهم في تَلَمُّح وجه الحقيقة واستيعابها والاستعلاء بها ثم تحمُّل تَبِعاتها بكل مُخرجاتها فكانوا حقا من الخالدين وهم قلة قليلة من أولئك العلماء العاملين وهذا الرجل منهم، وأبدًا التاريخ لا يلقي بالاً ولا يتعرَّضُ بالذكر إلى جحاف وجيوش العلماء العاديين (التقليديين المُقلدين)
أضاف صنعون أن سيِّدُ هؤلاء الثّوريين هو رسول الله (ص) فقد استطاع أن يترجم كتاب الله إلى حياة وسلوك وشخصيات من لحم ودم تمشي على الأرض وكان هو أول من تفاعل مع كتاب الله أخذًا وعِلمًا وعَملًا وفِعلًا وتطبيقًا ثم بثَّه إلى أصحابه ونفث فيه من روحه التي امتزجت بعنفوان الانتفاضة وقبضت قبسا من روح التَّمرُد وانصهرت بالمعاني الثّورية التي يحملها الخطاب الإلهي للإنسان في وجه الآبائية والسكون والاستكبار والهيمنة فأحدث به طفرةً ناصعةً على وجه التاريخ الذي كان يطفح يومها بالسّواد ويعُجُّ بالظلم والظلمات وصنع به رجالا انقلبت حياتهم من النقيض إلى النقيض لمَّا أنصتوا إلى كلمات الله تَطْرُق قلوبهم فَفُتِحت لها الأبواب تدخل دونما استئذان وحَصَل لديْهم ثلَجُ التّحقق بالمعاني والدلالات
وأشار صنعون الى أن القرآن وَعيٌ حينما يكتمل في عقل الإنسان وإدراكه يُوَلِّدُ لدَيْه حالةً من القلق الخَلَّاق ثمّ يتفجَّرُ مرةً واحدةً وإلى الأبد ويصبح الإنسان ثائرا في وجه كل شيء فمتى ما يُحسنُ الإنسان اِلتقاط الثورة القرآنية في كتاب الله المفتوحة على كل الجبهات والمُعلنة ضد الظلم والإكراه وضد السائد والعادي وضد الانكفاء والقصور البشري وضد الحصرية والوهم يستشعر لحظتها مدى الروح التي تُبعث فيه من جديد فتسري في كل كيانه وتخلُقه خلقا آخر فزيدٌ وعمارُ وبلالُ لم يكن يخطر منهم على بال أن قدرا انقلابيا ينتظرهم في منتصف الطريق وأنهم على مَوعد خطير عند إشراقة فجر ذلك اليوم الجديد حين هَمس في قلوبهم محمد الرسول الإنسان أول كلمات السماء فوقعت منهم مَوْقعا آسرًا وفعلت فيهم فِعل السّحر وجعلتهم يستيقظون مرة واحدة وإلى الأبد جعلتهم يتمرَّدون على عجزهم الذاتي الذي يُكبِّلهم والضّعف الداخلي الذي يسكُنهم واستشعروا ضرورة الثورة وحتمِيَّتها ضد القهر والخوف والعجز.
واكد انه حين لامست هذه الرسائل منطقه الوعي منهم وسمعوا خطاب الله المُباشر إليهم يُحرضهم على تحرير أنفسهم من قيود الرِّق وقيود المجتمع وقيود التّسلط وقبل ذلك وبعده قيود النفس والوهم والصَّغار واستطاعوا أن يُحوِّلوا مُعاناتهم إلى ظفر وخيبتهم إلى نجاح وتمكنوا أن يرفعوا أصواتهم عالية تصدع وتصدح في وجه الدنيا وكتبوا على صفحات الزمن اسمائهم وصاروا سادة بعدما كانوا عبيد نفسها الكلمات فعلت فِعلها في شخصيات اخرى لها مكانتها وحيثيتها في المجتمع وسلطتها وجبروتها فصارت بعد ذلك أرحم قلبا وأعدل حُكما وأقوى في الحق قولا واستعلاء وجلدا مثل الثائر المُنتفض أبو ذر ومثله حمزة وعلي والحسين وعمر وأبو بكر وعبيدة وأسماء وجُويرية ورُفيدة وغيرهم الكثير الكثير ولولا أن تكفَّل الله بحفظ كتابه لراودنا شك عميق أن الكلمات التي بين أيدينا ليست هي نفس الكلمات التي أحدثت فارقا كبيرا في تاريخ الدنيا وصنعت خير جيل وخير أمة فما لنا لا نستشعر هذه الثورة في نفوسنا ولا نستوعب هذا الخطاب الذي يفلق الصخر ويحرك الساكن ويجعل المُتحرك خاشعا والمضطرب مُطمئنا والحيران اليائس الذي يأكله القلق مُرتاحا مُتناغما مع الكون والكائنات
يعتقد صنعون ان التنزيل الحكيم هو كلمة الله الأخيرة لأهل الأرض يُخاطب العقل (القلب) مباشرة وهو وسيلة الاستقبال الوحيدة لالتقاط الإشارات الإلهية وإذا لم يَتَمَحَّض هذا القلب ويتشحَّر ويخلص لله توجها وقصدا وصِدقا فلا يمكنه أن يستقبل أيًّا من هذه المعاني السامية ويكون حينها عُرضة للتشويش والفوضى والتّيه
كما اكد ان كتاب الله مشروع ثورة للتغيير لكنّه يبقى مشروعا صامتا حبيسا بين دفتين وإذا لم نملك الشجاعة الكافية واللِّياقة الكاملة لاستخراج أحسن ما فيه وتفعيله إلى سلوك وعمل فما النَّفع فيه وبهذا المعنى لن يكون ثوريا فالذين اهتدوا يزيدهم هدى وبصيرة والذين شقوا وعموا يزيدهم شقاء وحيرة ومزيدا من العمى والسقوط والغواية