نعرض اليوم كتاب “الفطرية وبعثة التجديد المقبلة” للدكتور فريد الانصاري
حيث يهدف الكتاب إلى إثبات أن طبيعة التدافع الحضاري بين الأمة وخصومها قد دخل مرحلة ذات اختلاف كمّي ونوعي؛ حيث صار الرهان الغربي اليوم قائمًا على تدمير الفطرة الإنسانية في الأمة؛ بما يجعلها قابلة للابتلاع العَوْلَمِيِّ الجديد في دينها وأخلاقها وقيمها الحضارية، وفي سياستها واقتصادها وعمرانها وسائر نمط عيشها على الإجمال؛ وبالتالي فالتحدّي اليوم قائم على تحرير الإنسان المسلم – فردًا وأمّةً – من أغلال الاسترقاق العَوْلَمِيِّ، وإثبات أن العمل الإسلامي المعاصر لن يمكنه الاستجابة لهذا التحدّي الحضاري الجديد إلا بتجديد نفسه هو أولًا، وذلك بالرجوع إلى فطرته في الدين والدعوة؛ لأن الفطرة المسلوبة لن تُسترجع إلا بمنهاج فطري.
وهو ما يتفق مع رؤية المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي الذي يقول في كتابه ومضات علي الطريق ان الغرب استخدم ر سياسته القديمة فرق تسد واستخدم وسائل الاتصال الاجتماعي واستقطب الجهاد نحو شعارات زائفة مثل حقوق الانسان فى التعبير والتظاهر من اجل خلق الفوضى الخلاقة لاسقاط الأنظمة وتدمير الاوطان وينفرط العقد العربي وتتبخر امانيهم فى تحقيق وحدتهم وإنشاء قوات مسلحة مشتركة باسم الجيش العربي لتواجه الخطر المحدق بمستقبل الأمة العربية خاصة اننا امام إشكالية كبيرة تتعلق بنشر المذهبية والطائفية بما يدعم الحروب العربية العربية علي أساس مذهبي او طائفي .
وهو أيضا ما يؤكد عليه الدكتور فريد الانصاري في كتابه “الفطرية وبعثة التجديد المقبلة” إن الغزو الغربي للعالم الإسلامي اليوم، على المستوى الاقتصادي والإعلامي والسياسي والعسكري، صفعة قوية في وجه الأمة.
متسائلا ألم تكشف الصهيونية بوجهها الأمريكي القناع عن غطرستها استخفافًا بالمسلمين في غزو العراق؟ إضافة إلى هذه المهلكات الخارجية، فقد أصيبت الأمة بداء التآكل الداخلي منذ عدة قرون حتى آل وجودها المعنوي إلى الانهيار.
ويوضح الانصاري إن مشكلة الأمة اليوم أنها لم تعد تبالي بمصدر قوتها الحقيقية، ولا تثق فيما عندها من أدوية بصيدلية الدين؛ مما أكسبها هزيمة نفسية ألقت بها في أحضان العدوّ أشلاءً، ولقد غذّي العدوّ مرض التآكل الداخلي ببرامج التعليم المسموم والإعلام الملغوم.
هذا زمان نهاية الجغرافيا واختفاء الحدود! والعولمة في نهاية المطاف حصان، والحصان لمن يركبه، وإن الفرس التي تقاتل اليوم في صف العدوّ يمكن أن تقاتل هي نفسها غدًا في صف الإيمان، وإنما القضية هي في الفارس من هو؟! وما طبيعة الروح التي تسكنه؟!
ويشير فريد الانصاري الي ان فطرة العمل الإسلامي أنه “دعوة ” لا “حركة ” ، وبين هذا وذاك فرق كبير؛ فمصطلح (الدعوة) لفظ قرآني أصيل، ومصطلح (الحركة) لفظ سياسي دخيل.
ويوضح ان الدعوة مصطلح عام في معنى تبليغ دعوة التوحيد وأصل الدين الكلي وإيصاله لمن لم يبلغه أصلًا من الكفار، كما أنه مستعمل في الدلالة على الإصلاح والتجديد الداخلي لما انحرف من مفاهيم الدين وأحكامه في المجتمع الإسلامي، كما أنه مانع من دخول الدلالات المنحرفة التي قد تتسرب إلى العمل الإسلامي مع التعبير الدخيل، إضافةً إلى تميزه وتفرده بالمقاصد التعبدية التي يَقْصُر عنها لفظ (الحركة) ويضيق.
أما (الحركة) فمصطلح دالّ بالأساس على تيار سياسي منظّم فكريًّا وبشريًّا، يناضل من أجل فكرة محددة لتغيير وضع معين بأساليب سياسية في الغالب، لكنها قد تتطور إلى أساليب عسكرية أو ثورية دموية، كما هو شأن الحركات الماركسية مثلًا، ثم إن مصطلح الحركة متهم بتضخيم بعض معاني العمل الإسلامي على حساب بعض؛ لتضخمها عند أصحابها أصلًا من واضعي المصطلح في الحضارة الغربية، كما أنه متهم بتجويز وسائل للعمل لا تقبلها أحكام الشريعة إلا بالاستصلاح أو “الأسلمة ” كما يعبرون اليوم.
والعبرة بالمفاهيم وليس الألفاظ؛ فقد يكون من التنظيمات أشكال لم تتلقب باسم “حركة ” وإنما تسمّت باسم “جماعة ” أو “دعوة ” ولكنها في الواقع حبيسة مفهوم “الحركة ” ولو لم تتسمّ رسميًّا بها.
ويختم كتابه بقوله “إن الجوهر الحقيقي والمبرر الأساس لوجود العمل الإسلامي إنما هو تجديد التلقي للقرآن الكريم، رسالة الله رب العالمين، وهذا هو مدار عمل الأنبياء السابقين “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة “، تلاوة بمنهج التلقي، وتزكية بمنهج التدبر.