تتناول دراسة للدكتور محمد عبد الله الطيب المعنونة بـ”الإعراض عن ذكر الله وآثاره في الدنيا والآخرة” تفسيرًا عميقًا وشاملًا للآيات القرآنية التي تتحدث عن عواقب الإعراض عن ذكر الله في الحياة الدنيا والآخرة. هذه الدراسة تبرز بشكل خاص كيفية تأثير هذا الإعراض على نفسية الإنسان وسلوكه، وكيف يمكن أن يؤدي إلى معيشة ضنكًا، كما ورد في الآية الكريمة “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى” (طه: 124).
ويتقاطع الطرح الذي يقدمه الطيب في دراسته بشكل واضح مع أفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في مقاله “دور القرآن في بناء مجتمع العدل والسلام”. يؤكد الشرفاء على أن القرآن الكريم هو أكثر من مجرد كتاب ديني؛ فهو نظام حياة كامل يمكن من خلاله تحقيق السلام والعدل في المجتمع. يرى الشرفاء أن الالتزام بتعاليم القرآن ليس فقط وسيلة لتحقيق النجاة في الآخرة، بل هو أيضًا سبيل لضمان استقرار المجتمع وتقدمه. يتفق الطيب مع هذا الطرح، حيث يشير إلى أن الفرد الذي يبتعد عن ذكر الله لا يعاني وحده فقط، بل إن هذا الإعراض يؤثر أيضًا على المجتمع ككل، حيث ينتشر الظلم والفساد ويضطرب النظام الاجتماعي.
يبدأ الطيب بتحليل مفهوم “الإعراض عن ذكر الله” من خلال تفسير مختلف الآراء التي وردت عن العلماء والمفسرين حول هذه الآية. يتفق الطيب مع العديد من المفسرين على أن الإعراض هنا لا يعني فقط الغفلة أو عدم الذكر اللفظي، بل يمتد ليشمل الابتعاد عن تلاوة القرآن وتدبر معانيه والعمل بتعاليمه. ويرى الطيب أن هذا الابتعاد عن هدى الله يجعل الإنسان فريسة للشقاء والضيق، حتى وإن كان يتمتع بترف مادي. فعلى الرغم من أن الشخص الذي يعرض عن ذكر الله قد يظهر للعالم الخارجي بأنه يعيش حياة هادئة ومستقرة، إلا أن الداخل مليء بالتوتر وعدم الرضا، وهو ما يصفه القرآن بـ”الضنك”.
في هذا السياق، يشير الطيب إلى أن المعنى العميق للضنك يتجاوز مجرد الحالة المادية للإنسان، ليشمل اضطرابًا نفسيًا وروحيًا يمكن أن يعيشه الفرد بسبب انفصاله عن الله وابتعاده عن تعاليمه. يُفصل الطيب في هذا الجانب موضحًا كيف أن الإعراض عن ذكر الله يؤدي إلى فراغ داخلي يعجز المال أو المتع الدنيوية عن ملئه، مما يجعل الإنسان يشعر بالضيق والقلق الدائمين. هذا التحليل يتماشى مع التفسير القرآني الذي يؤكد أن الراحة الحقيقية والسلام الداخلي لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال القرب من الله والعمل بتعاليمه.
من ناحية أخرى، يتطرق الطيب إلى الآثار الأخرى لهذا الإعراض في الحياة الآخرة. فعندما يقول الله تعالى: “وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى” (طه: 124)، يشير إلى أن هذا الشخص سيُحشر في الآخرة بدون حجة أو دليل يمكن أن يبرر به أفعاله في الدنيا. الطيب يوضح أن العمى هنا ليس عمى البصر فقط، بل هو عمى عن البصيرة والحقيقة، حيث يفقد الإنسان القدرة على رؤية الحقائق التي كان يمكن أن تنقذه لو أنه التزم بذكر الله في حياته الدنيا.
وفي السياق ذاته، يبرز الطيب أن الأزمات الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها المجتمعات المسلمة اليوم يمكن إرجاعها إلى الابتعاد عن تعاليم القرآن والإعراض عن ذكر الله. يتفق الشرفاء مع هذا الطرح، حيث يشير في مقاله إلى أن القرآن يقدم حلولًا واضحة للمشاكل التي تواجهها المجتمعات اليوم، وأنه لو تم الالتزام بتلك الحلول لتمكنت المجتمعات من تجاوز الكثير من التحديات وتحقيق الاستقرار والرفاهية.
من هنا، يمكن القول إن دراسة الطيب ومقال الشرفاء يتفقان على أن الإعراض عن ذكر الله لا يؤثر فقط على مستوى الفرد، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره. فكما أن الفرد الذي يعرض عن ذكر الله يعاني من ضيق في معيشته وقلق دائم، فإن المجتمع الذي يبتعد عن تعاليم القرآن يعاني من الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار. وفي هذا الإطار، يرى الطيب والشرفاء أن العودة إلى القرآن والتمسك بتعاليمه هو السبيل الوحيد لتحقيق الحياة الطيبة والنجاة في الدنيا والآخرة.
كما تتسم الأفكار التي يطرحها الشرفاء في مقاله بالتوازن والشمولية، حيث يقدم القرآن كدستور حياة شامل يمكن أن يحقق العدالة والسلام ليس فقط على المستوى الفردي، بل أيضًا على مستوى المجتمع بأسره. هذه الأفكار تتفق تمامًا مع ما توصلت إليه دراسة الطيب من أن القرآن يقدم هدىً شاملاً يمكن أن يحقق النجاح والسعادة لكل من يتبعه.
في الختام، يمكن القول إن دراسة الدكتور محمد عبد الله الطيب تقدم تفسيرًا علميًا دقيقًا لما يمكن أن يؤدي إليه الإعراض عن ذكر الله من آثار سلبية في الدنيا والآخرة، وهذه الدراسة تتكامل مع أفكار المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي حول دور القرآن في بناء مجتمع العدل والسلام. الأفكار التي يطرحها الشرفاء تستحق التقدير لأنها تقدم رؤية شاملة لكيفية تطبيق القرآن في الحياة اليومية لتحقيق أهداف سامية، تتمثل في بناء مجتمع قوي ومستقر يسوده العدل والسلام. ومن خلال هذا التوافق بين دراسة الطيب وأفكار الشرفاء، يتأكد لنا أن العودة إلى القرآن الكريم والالتزام بتعاليمه هو السبيل الوحيد لتحقيق الحياة الطيبة للفرد والمجتمع على حد سواء.