اتفق كتاب حرية الاعتقاد بين النصوص الإسلامية والدساتير للدكتور يوسف عبد الحميد بن ناجي مع ما كتبة المفكر العربي علي محمد الشرفاء في كتاب «وثيقة الدخول في الإسلام» والذي يؤكد فيه أن اعتناق الإسلام من خلال نطق الشهادة نوع من التفكير الساذج أو التفكير الطفولي الذي هو أقرب إلى التفكير السحري– البدائي الذي يجعل للكلمة قوة الفعل، فالكلمة لدى العقلية البدائية مساوية للفعل، فمجرد نطق الكلمة يحقق الفعل ويجسده. ومن هنا آمن الناس بالرقى والتعاويذ وسلطة الكلمات.
يريد للمسلم أن يؤمن بعقله ووجدانه وفعله أو سلوكه، ولذلك هو يرى أن الشهادة وحدها لا تكفي ولا بد لمن يريد اعتناق الإسلام أن يعرف ما هو الإسلام، وما هي الأسس التي يقوم عليها هذا الدين العظيم، ولهذا يؤكد «الشرفاء» هنا –مثلما أكد من قبل في كتاباته السابقة– أن الإسلام هو دين يدعو للرحمة والعدل والإحسان وحرية الاعتقاد، وللسلام بين جميع البشر، ويُحرم على الناس الظلم والبغي والعدوان وقتل الإنسان وسفك الدماء.
ومن أهم المبادئ التي تؤكد عليها الوثيقة مبدأ «حرية الاعتقاد» وتبرئة الإسلام من تهمة أنه دين يُجبر العباد على الإيمان به. فالإسلام عند علي الشرفاء ديانة حرية مصداقاً لقوله تعالى: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر} (الكهف: 29)
إنَّ الإسلام دعوة الله للناس بأن يتّبعوا كتابَه فقط، ويطيعوا شرعتَه ومنهاجَه ليحصّنهم بآياتِه من أصحاب الضلال أتباع الشيطان كما خاطبَ الله سبحانه خلقه على لسان رسوله عليه السلام بقوله: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)} (الزّخرف: 43-44)
فالقرآن هو الذي يجعل من استمسك به وأطاع اللهَ ورسولَه فيما أنزله الله عليه من الكتاب في مأمنٍ يوم القيامة سيجزيه اللهُ يوم الحسابِ جنّات النعيم.
وينهى الله سبحانَه في تشريعه عنْ إرغام الناس في الدخول في دين الإسلام وتَرك لهم الحرية المطلقة في اختيار عقيدتهم ومذاهبهم وأديانهم دون إكراهٍ، ولم يفرض على الناس أداء الشعائر الإسلامية بالقوة في الصلوات والزكاة والصوم والحج.
وترك الله للناس الحرية المطلقة في تأدية شعائر العبادات وهو حق خالص من حقوق الإنسان لا رقيب عليه غيرَ الله وحده يقضي ما يشاء على عباده.
ويؤكد الله على ذلك الحق مخاطباً رسوله عليه السلام بقوله سبحانه: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256).
وقد تناول أيضا المتاب هذا المفهوم واعتبرت هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي شغلت أذهان الناس والتي تعتبر فيها حرية الاعتقاد أباحت للإنسان أن يعتنق ما يشاء من العقائد، وأوضح الكاتب ان مفهوم حرية الاعتقاد يختلف في الإسلام عن المفهوم الغربي، فحرية الاعتقاد في النصوص الإسلامية تعني عدم إكراه غير المسلم سواء أكان (يهوديًا أم نصرانيًا أم غير ذلك) على الدخول في الإسلام، وإذا انتقلنا إلى حرية العقيدة في المفهوم الغربي فهي مسألة شخصية الحق فيها نسبي ولا دخل للدولة فيها فليعتنق كل فرد ما يشاء من العقائد دون محاسبة أو مساءلة بشرط عدم الإضرار بنظام الدولة أو حريات الآخرين، وقد قام الغرب بنشر هذا المفهوم بل وفرضه على العالم بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، بل أصبح منصوصًا عليه في كثير من دساتير العالم الإسلامي، وصار له دعاة يدعون إليه، وإذ نظرنا إلى دول الغرب التي نشرت هذا المفهوم نجد منتهى التناقض، فقد نصت الكثير من الدول في دساتيرها على فرض دين معين بل فرض مذهب معين.
ويقول الكتاب أن تعد حرية الاعتقاد أحد القضايا الأساسية والحيوية في عالمنا اليوم، حيث تمثل أحد الحقوق الأساسية للإنسان والتي ينبغي أن تحظى بالاحترام والحماية على الصعيدين القانوني والاجتماعي. إن حق الفرد في اختيار ما يعتقده والتعبير عن آرائه بحرية يعكس قيم الحوار والتنوع والتعايش السلمي في المجتمعات المتقدمة.
تمثل حرية الاعتقاد تجسيداً للكرامة الإنسانية، حيث يجب أن يكون لكل فرد الحق في تحديد معتقداته وقيمه الروحية بما يتناسب مع مبادئه الشخصية. هذا الحق لا يقتصر فقط على الاعتقادات الدينية، بل يشمل أيضاً المعتقدات الفلسفية والثقافية والعلمية.
من المهم أن ندرك أن حرية الاعتقاد لا تعني فقط الحق في اتباع الديانة التي نرغب بها، بل تشمل أيضاً الحق في عدم اعتناق أي ديانة أو معتقد. يجب أن يكون للأفراد الحرية المطلقة في تحديد مسارهم الروحي دون تدخل قسري أو ضغوط اجتماعية.
تسهم حرية الاعتقاد في بناء مجتمع متفتح ومتسامح، حيث يمكن للأفراد من مختلف الخلفيات والثقافات والديانات التعايش معاً بسلام. إن تقبل التنوع الديني والثقافي يعزز من التفاهم المتبادل ويقوي روابط الوحدة الوطنية.
مع ذلك، يجب أن يأتي مع حقوقنا أيضاً مسؤولياتنا. ينبغي أن يتمتع الفرد بحرية الاعتقاد دون أن ينتهك حقوق الآخرين. يجب أن يتم التعبير عن الآراء بشكل مسؤول ومحترم، مع مراعاة الاحترام المتبادل والتسامح.
وأشار الكتاب الي ان حرية الاعتقاد في الإسلام تمثل جانبًا مهمًا وعميقًا من تعاليم هذا الدين العظيم. فيؤمن الإسلام بأهمية منح الفرد حرية الاختيار في مسائل الإيمان والعقيدة، وهو يشجع على التفكير والاستقراء والبحث في الحقائق الروحية والدينية. هذه الفكرة معبرة عنها في عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية تعكس قيمة الحرية الدينية في الإسلام. وفي سورة البقرة، يقول الله: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، مما يعني أنه لا يجوز فرض الإيمان أو الاعتقاد بالقوة. يجب أن يكون الإيمان من قلب صادق واختيار طوعي.
كما أوضح الكتاب ان الإسلام يشجع على الاجتهاد الشخصي والتفكير العقلي في المسائل الدينية. يُشجَّع المسلمون على دراسة القرآن والسنة والبحث فيهما لفهم تعاليم الدين بشكل صحيح.
وتقول آية أخرى في القرآن: “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر”، وهذا يعكس مبدأ حرية الاختيار في الاعتقاد والإيمان.
كما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعا دائمًا إلى التسامح واحترام حرية الاعتقاد للآخرين. عاش مثالًا لهذا التعاليم من خلال معاملته المحترمة للأديان والمعتقدات المختلفة.
ويوضح الكتاب ان الإسلام يؤمن بأن الجهاد ليس فقط عسكريًا، بل يشمل أيضًا جهاد النفس والجهاد الفكري لتحقيق الإصلاح الشخصي والاعتقادي.
لذا يجب على المسلمين أن يحترموا حقوق الأقليات الدينية ويعاملوهم بالعدل والإنصاف وفقًا لتعاليم الإسلام.
واختتم الكتابة انه إجمالًا، يبرز الإسلام أهمية حرية الاعتقاد ويشجع على التفكير العقلي والاختيار الطوعي في المسائل الدينية. هذا يسهم في ترسيخ قيم التسامح والاحترام المتبادل بين مختلف الأديان والمعتقدات في المجتمع الإسلامي وخارجه.
في الختام، تظل حرية الاعتقاد قضية مركزية في بناء مجتمعات مزدهرة ومتقدمة. إنها تعبر عن مدى تقدم الحضارة واحترام الحقوق الإنسانية. يجب على الدول والمجتمعات أن تعمل جاهدة لضمان حماية هذا الحق، وتعزيز ثقافة التسامح والتفاهم بين أفرادها، مما يسهم في بناء عالم أكثر سلاماً وتعاوناً.