اتفق الكاتب علي الطنطاوي في كتابه “تعريف عام بدين الإسلام” مع رؤية المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي في ان القرآن هو دستور الإسلام و من صدّق بأنه من عند الله، وآمن به جُملة وتفصيلًا؛ سُمّيَ (مؤمنًا). والإيمان بهذا المعنى لا يطّلع عليه إلا الله
ويسرد الكاتب في بداية كتابه قصة استدلالية تتحدث حول إذا كنتَ مسافرًا ورأيتَ أمامك مفرق طريقين، طريق صعب صاعد في الجبل، وطريق سهل منحدر إلى السّهل، الأول فيه وُعورة، وحجارة منثورة، وأشواك وحُفَر، ولكن أمامه لوحة فيها: إن هذا الطريق هو الطريق الصحيح الذي يوصل إلى الغاية المقصودة، والثاني تظلّلُه الأشجار ذوات الأزهار والثمار، وعلى جانبَيْه المقاهي والملاهي، فيها كل ما يلذ القلب، ويسُرّ العين، ولكن عليه لوحة فيها: إنه طريق خطر، آخره الموت المحقق، فأي الطريقين تسلك؟
ويضيف الكاتب انه لا شك أن النفس تميل إلى السهل دون الصعب، وتحب الانطلاق وتكره القيود، هذه فطرة فطرها الله عليها، ولو تَرَك الإنسان نفسَه وهواها وانقاد لها، سلك الطريق الثاني، ولكن العقل يتدخّل، ويوازن بين اللذة القصيرة يعْقُبُها ألمٌ طويل، والألم العارض المؤقت تكون بعده لذة باقية، فيؤْثِر الأول. هذا هو مثال طريق الجنة، وطريق النار، فقد وضع الله الطريقين أمامنا، ووضع فينا مَلَكة نفرّق بها بينهما، نعرف بها الخير من الشر يستوي في ذلك العالِـم والجاهل، والكبير والصغير، وهذا تأويل قوله تعالى {وهديناه النجدين}.
ويشير الكاتب الي ان الإنسان مخلوق متميز، فيه شيء من الملائكة وشيء من الشياطين، وشيء من البهائم والوحوش. فإذا استغرق في العبادة وصَفَا قلبه إلى الله عند المناجاة، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الـمَلَكية، فأشْبَهَ الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فإذا جَحَدَ خالقه، وكفر به، أو أشرك معه في عبادته غيره، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الشيطانية.
فيري الكاتب ان كل جمعية من الجمعيات النافعة والضارة، وكل حزب من الأحزاب الخيّرة والشريرة، لكل ذلك (مبادئ) وأسس فكرية، تحدّد غايته وتوجّه سَيْره، وتكون كالدستور لأعضائه وأتباعه، ومن أراد أن ينتسب إليها نظر أولا إلى هذه المبادئ، فإن ارتضاها وقَبِل بها؛ طلب الانتساب إلى الجمعية؛ فانتظم في سلك أعضائها، ووجب عليه أن يقوم بالأعمال التي يُلزمه بها دستورها، ويدفع رسم الاشتراك الذي يحدّده نظامها. وكان عليه أن يدُلّ بِسُلوكه على إخلاصه لمبادئها؛ فلا يأتي من الأعمال ما يخالفها. هذا وضْعٌ عام ينطبق على الإسلام. فمن أراد أن يدخل في دين الإسلام عليه (أولًا) أن يقبل أُسُسه العقلية، وأن يصدّق بها تصديقًا جازمًا، حتى تكون له (عقيدة).
وينهي الكاتب حديثة بالتأكيد علي ان القرآن هو دستور الإسلام. فمن صدّق بأنه من عند الله، وآمن به جُملة وتفصيلًا؛ سُمّيَ (مؤمنًا). والإيمان بهذا المعنى لا يطّلع عليه إلا الله، لأن البشر لا يشقّون قلوب الناس ولا يعلمون ما فيها؛ لذلك وَجَبَ عليه لِيَعُدّه المسلمون واحدًا منهم أن يُعلن هذا الإيمان بالنطق بلسانه بالشهادتين، حينها يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم، وقَبِل بالقيام بجميع الأعمال التي يكلّفه بها الإسلام.