نستعرض اليوم كتاب ” السوق العربية المشتركة حلقة في إطار التعاون الإقتصادي العربي” للباحث اللبناني بالجامعة اللبنانية الدكتور “عبد الأمير دكروب” والذي اتفق مع رؤية المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في ضرورة توفر الإرادة السياسية والوعي الكافي لمعرفة قيمة التعاون الإقتصادي العربي وما يعطيه من قوة ودفع للدول العربية على الصعيد العالمي في ظل مشاريع العولمة الاقتصادية وفي ظل التكتلات والمنظمات الاقتصادية العالمية. وهذا لا يكون الا بتوافر النوايا الحسنة لدى مختلف الاطراف.
كما اتفق الكتاب مع المفكر علي الشرفاء في أن التعاون الاقتصادي العربي وإنشاء تنظيمات اقتصادية على غرار السوق العربية المشتركة، لا يمكن أن تظهر جدواه في ظل قطاعات إنتاجية هزيلة. لذا يجب ان تترافق مشاريع التعاون مع عملية تنمية متكاملة ومدروسة لقطاعات الانتاج، وتسهيلات فعلية لتشجيع الاستثمارات ما بين الدول المتعاقدة.
كما اتفق أيضا في ضرورة ان يكون هنا بنية اقتصادية مساندة لمشاريع التكامل الاقتصادي العربي تتمثل بالخدمات والاجهزة المساندة المتطورة، من شبكة طرق مواصلات جيدة، ووسائل نقل عصرية متطورة ومعرفة جيدة بالتسويق والترويج والشحن والتخزين والتمويل وضمان ائتمان الصادرات.
وقد أشار الكاتب الي ان البلاد العربية تتوزع على مساحة من الاراضي توازي 14 مليون كلم مربع، وتستحوذ على 62.5% من احتياط النفط العالمي و28% من الانتاج العالمي. بينما تبلغ حصتها من الصادرات 3% ، ومن الواردات العالمية 2.6% ااما نسبة التجارة البينية بين هذه الدول فلا تتجاوز 9% من مجمل تجارتها الخارجية.
ويقول الكتاب انه بعد الحرب العالمية الاولى، خضعت البلدان العربية في المشرق لنظام الانتداب بحيث اصبحت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والاردن والعراق تحت الانتداب الانكليزي. ونشأت دولة مستقلة في الجزيرة العربية، وتابعت مصر سيرها المستقل مع هيمنة انكليزية.
وهكذا فقدت البلدان العربية وحدتها الاقتصادية، حيث ادت التقسيمات السياسية الى اقامة الحواجز الاقتصادية والجمركية. وزالت حرية انتقال البضائع والافراد وحرية انتقال الاموال. واصبح لكل دولة نقدها الخاص بها . الا ان هذه الوحدة الاقتصادية لم تتفسخ تماما وظلت ولو بشكل نسبي تخضع للأطر الانتدابية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ونيل معظم الدول العربية المشرقية استقلالها، مما ادى الى زيادة التفسخ الاقتصادي وكان آخره انهيار الوحدة الاقتصادية بين سوريا ولبنان، حيث انتهت الوحدة النقدية عام 1948 وتبعها الانفصال الجمركي سنة 1950. وانهارت حرية ممارسة النشاط الاقتصادي لرعايا كل من البلدين في البلد الآخر سنة 1952، كما انهارت في الفترة ذاتها حرية التجارة بين الاردن وسوريا ولبنان، وتراخت علاقات التبادل التجاري بين كل من مصر والعراق والدول العربية الاخرى، وقطعت العلاقات نهائيا مع فلسطين المحتلة بعد قيام اسرائيل.
وأوضح دكروب في كتابه انه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الشعوب تعاني من وطأة اتفاقية سايكس-بيكو التي كان من نتائجها تقاسم النفوذ في المنطقة بين انكليزي وفرنسي وفرض حدود سياسية جديدة، كان لها الاثر الاكبر في لجم التواصل السياسي والاقتصادي بين شعوب المنطقة. وتلبية لرغبات هذه الشعوب في التقارب والتواصل قدمت مشاريع عديدة من دول المنطقة وبصيغ مختلفة، منها ما يدعو الى دولة اتحادية، ومنها ما يفضل التعاون والتنسيق مع الاحتفاظ بحق كل دولة باستقلالها واتخاذ قرارها. وكان بنتيجة ذلك ان وقع بروتوكول الاسكندرية الذي ينص على انشاء الجامعة العربية في 1944، ووقعه اعضاء اللجنة التحضيرية المكونة من خمس دول عربية هي: الاردن، سوريا، العراق، لبنان ومصر. ومن ثم تم اقرار ميثاق الجامعة في سنة 1945، ووقعه بالإضافة الى الدول الخمس السابقة الذكر، كل من السعودية واليمن. وحرص ميثاق الجامعة على ان تكون العضوية محصورة بالدول العربية المستقلة آنذاك.
وقد جاء في ميثاق الجامعة: (ان الغرض من انشائها هو توثيق الصلات بين الدول العربية المشاركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها.)
وأشار الباحث اللبناني الي ان هذا التعاون المشترك يتم حسب النظم في كل منها، وذلك في ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والمالية والمواصلات والثقافة وأمور الجنسية والشؤون الاجتماعية والصحية. كما انه من مهام مجلسها مراعاة ما تبرمه الدول المشتركة فيها من اتفاقيات، وتعزيز وسائل التعاون مع الهيئات الدولية لضمان الامن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية)
ويري دكروب ان ان الجامعة العربية منذ انشائها سنة 1945 وبعد ذلك بأكثر من ست سنوات، لم تحقق عملاً هاماً في مجال التعاون الاقتصادي بين الدول العربية. وهذا يعود لاسباب عديدة منها: سياسي واقتصادي وتاريخي وجغرافي واسباب موروثة وطارئة كلها تؤثر في مسيرة هذا التعاون وتعيق خطواته. وليس من المتوقع ان يسير هذا التعاون الاقتصادي العربي بخطى منتظمة من دون مستجدات. لذا يجب العمل ما امكن على ازالة هذه العوائق، وهذا لا يكون الا بوجود الوعي الكافي لدى مختلف الاطراف وتغليب المصلحة العامة التي ستعم آثارها الايجابية الجميع، والتخلي عن المصالح الآنية الضيقة.
واختتم أستاذ الجامعة اللبنانية كتابه بقوله ” ان تجارب التعاون الاقتصادي العربي وعلى رأسها تجربة السوق العربية المشتركة اسفرت عن الضعف في فاعلية القرار السياسي بشأن ما يتخذ من قرارات في مؤتمرات القمة على المستوى الاقتصادي، وعدم توفر روح الالتزام والانضباط عند التطبيق لدى مختلف الاطراف.
كما اشار الي ان النزعة الفردية غالبة لدى الدول العربية ومعها محاولة البعض اظهار تردده في تطبيق قرارات التعاون الاقتصادي، وبأنه انما يفعل ذلك بداعي المحافظة على السيادة الوطنية وحماية قطاعاته الانتاجية من المنافسة. والحقيقة ان الكثير من الدول العربية سواء الاعضاء في مجلس الوحدة الاقتصادية ام في السوق العربية المشتركة، انما تخشى كثيرا على عائداتها من الرسوم الجمركية، عندما تتم عملية تحرير التبادل التجاري في ما بينها من هذه الرسوم. ولكن لو كان هناك ادراك ووعي كافيين، لعرفت ان المكاسب والعائدات المالية التي تأتي عن طريق التصدير هي اعظم وأهم من الرسوم الجمركية التي تجبيها من دخول السلع. ويتراءى للمتتبع للعلاقات الاقتصادية العربية، بأن الدول العربية حتى الآن لا تعطي الافضلية في سياساتها الاقتصادية لمشاريع التعاون والتكامل الاقتصادي العربي على حساب السياسات الاقتصادية القطرية. ويتضح ذلك من مستوى التمثيل في مجلس الوحدة الاقتصادية الذي لا يرقى التمثيل فيه الى مستوى الوزراء بل يبقى محصورا بالاداريين وذوي الاختصاص.
وقد وصي الكاتب بثلاثة أمور لكي تقوم سوق عربية مشتركة فاعلة بين الدول العربية وهي
1- يجب توفر الارادة السياسية والوعي الكافي لمعرفة قيمة التعاون الاقتصادي العربي وما يعطيه من قوة ودفع للدول العربية على الصعيد العالمي في ظل مشاريع العولمة الاقتصادية وفي ظل التكتلات والمنظمات الاقتصادية العالمية. وهذا لا يكون الا بتوافر النوايا الحسنة لدى مختلف الاطراف.
2-ان التعاون الاقتصادي العربي وانشاء تنظيمات اقتصادية على غرار السوق العربية المشتركة، لا يمكن ان تظهر جدواه في ظل قطاعات انتاجية هزيلة. لذا يجب ان تترافق مشاريع التعاون مع عملية تنمية متكاملة ومدروسة لقطاعات الانتاج، وتسهيلات فعلية لتشجيع الاستثمارات ما بين الدول المتعاقدة.
3-لا بد من بنية اقتصادية مساندة لمشاريع التكامل الاقتصادي العربي تتمثل بالخدمات والاجهزة المساندة المتطورة، من شبكة طرق مواصلات جيدة، ووسائل نقل عصرية متطورة ومعرفة جيدة بالتسويق والترويج والشحن والتخزين والتمويل وضمان ائتمان الصادرات.