نستعرض اليوم كتاب ” المنهج القرآني ترسيخ للتعايش السلمي والمجتمعي ” والذي يتخذ من وثيقة المدينة نموذجا للتاكيد علي أهمية التعايش السلمي بين اطراف المجتمع دون النظر الي دينهم مستندا الي ما جاء في القرآن الكريم من ايات بينات وما بلغه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من أفعال ومعاهدات وهو الامر الذ يتفق فيه الكتاب مع اراء المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي حيث يدعوا لإحلال السلم محل النزاع والحرب، والأخوة محل التباغض والتنافر، والوحدة محل الاختلاف. محذرا من سفك شلالات الدماء باسم الدين، مؤكدا ان هذا الاحتراب نشأ عن نجاح أعداء الإسلام في التأثير على قناعات بعض المسلمين مما تسبب في تمزيقهم إلى فرق، وأشياع، وأحزاب بعضهم يكفر بعض، أو يسفك دم البعض، عن طريق دس بعض الإسرائيليات، أو بعض الأحاديث الموضوعة، وهذا يتطلب مراجعة دقيقة للتراث الإسلامي الذي يتناقض مع القرآن الكريم
وهو ما يتفق بشكل كبير جدا مع الكتاب الذي نستعرضة حيث يقول الكاتب إن الله سبحانه وتعالى أنزل شريعته الغراء على نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعلها خاتمة الشرائع السماوية، صالحة لكل زمان ومكان، تَكفل الله بحفظها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نبي ارسال الله إلى البشرية جمعاء، هاجر من مكة إلى المدينة وما أن وصل المدينة حتى وضع قواعد للتعامل فيها وانشئ الدستور الخالد الذي حدد في فقراته كل ما يحتاجه المسلم وغير المسلم، وعلم كل من في المدينة ما له وما عليه، فلم يجبر أحد على الدخول في الاسلام ولكن يعلم كل منهم أنه محدد بقواعد يجب أن يسير عليها، فالشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع ونبراس الهدى، فهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لكنها لم تلغِ الشرائع الأخرى، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، فكانت الدستور الذي يسير عليه العباد بكل اطيافهم وقومياتهم ومعتقداتهم، لم تفرق بين العباد على اساس الانسانية فحرمت الاعتداء والقتل وسفك دماء الناس بالباطل واعطت كل ذي حق حقه من كل الملل والنحل سواء أكان مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قَتَلَ مُعاهَدًا بغَيرِ حَقًّ لَم يَرَحْ رائحَةَ الجَنَّةِ، وإِنَّه لَيوجَدُ ريحُها مِن مَسيرَةِ أربَعينَ عامًا))
ويضيف الكاتب ان وثيقة المدينة كانت ومازالت دستورا للتعايش السلمي حيث يقول انه لما هاجر النبي صلى الله عليه من مكة وقدم المدينة وجد مجتمعا يختلف عن مجتمع مكة، وجد تنافرا بين عشائر المدينة واختلافا في دياناتها، فبدأ بالتخطيط لمجتمع جديد متماسك. كانت أول قضية تواجه الإدارة النبوية هي قضية استيعاب المهاجرين الجدد في مجتمع المدينة، لذا اقدم صلى الله عليه على عقد اتفاق وتصالح وعهُد تعارف أسماه بـ: (الوثيقة) الذي من خلاله جعل المهاجرين والانصار مجتمع موحد متماسك.
ويضيف الكاتب ان وثيقة المدينة تعد أول وثيقة دستورية بالغة الأهمية، نظمت العلاقات الإنسانية داخل المدينة بعد هجرته صلى الله عليه إليها، آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، ووادع اليهود، وكتب فيها دستورا وتعليمات تُعدّ تنظيما للدولة الإسلامية الجديدة في بداية نشأتها. فلم تخالف وثيقة المدينة حكماً من الأحكام الشرعية فكانت شروط الوثيقة نابعة عن رضا واختيار، فإن الاكراه يسلب الارادة، ولا احترام لعقد لم تتوفر فيه حريتها. كل بنود الوثيقة بينة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض حتى لا تؤول تأويلا يكون مثارا للاختلاف عند التطبيق.
ويؤكد الكاتب ان الوثيقة راعت بنود الوثيقة حفظ الضروريات الخمسة حفظ النفس الدين والعقل والمال وعرض، ولا يجوز الاعتداء علليها إلا بحقها.
وفي نهاية الكتاب أوضح الكاتب اننا بحاجة الي التركيز على بناء جيل مؤمن بمبادئ الشريعة الإسلامية والعقيدة الصحيحة بالمحافظة على الوسطية والاعتدال. مطالبا على العلماء والمفكرين العمل بجدية واخلاص والدعوة إلى تحصين المجتمعات بالعلم والمعرفة واجتناب كل مايخدش الأمن والسلم المجتمعي من محدثات الامور.
مطالبا ولاة الامور في جميع الدول اتخاذ القرارات الحاسمة والقوية ضد كل من يحاول تقويض الأمن أو يدعو إلى الطائفية سواء الطائفية الدينية أو السياسية أو تحت أي مسمى كان.
كما اكد علي ضرورة تفعيل الإعلام واستثماره للقيام بدوره المهم في الحفاظ على السلم والامن المجتمعي من خلال تبني الفكر الوسطي ونبذ الغلو والتطرف بكل اشكاله.